تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأول: هو المحاكاة المبدئية للمصطلح الذي أشاعته وسائل الإعلام الغربية،، ولحقتها وسائلنا العربية دون انتباه للأخطار واللبْس الذي يتولد عن استيراد المصطلحات وإسقاطها من ثقافة إلى أخرى، وخصوصاً إذا كان بين الحضارتين عداء تاريخي يتكرر باستمرار.

وهذا المصطلح هو الأصولية، فلقد ظلت إذاعتا " لندن ومونتكارلو " على مدى العقود الثلاثة الماضية تربط هذا المصطلح بالإسلاميين في الجزائر، ومصر، وسوريا، وإيران، وغيرها من الدول، وظلت تكرره كثيراً حتى ارتبط المصطلح بالعنف والقمع والإرهاب والقتل، ورسَخ ذلك في اللاشعور الثقافي واللغوي الفردي والجماعي، وأصبح يتردد على الألسنة والأقلام حتى بين الإسلاميين أنفسهم، وكل ذلك نتيجة للتكرار الذي يُكسب الأفكار صفة الرسوخ والفاعلية، حتى وإن كانت كاذبة أو مزوّرة أو أسطورية، يقول غوستاف لوبون: "" إن التوكيد والتكرار عاملان قويان في تكوين الآراء وانتشارها، وإليهما تستند التربية في كثير من المسائل، وبهما يستعين رجال السياسة والزعماء في خطبهم كل يوم، ولا يحتاج التوكيد إلى دليل عقلي يدعمه، وإنما يجب أن يكون التوكيد حماسياً وجيزاً ذا وقع في النفس … والتوكيد لا يلبث بعد أن يُكرَّر تكراراً كافياً أن يُحدِث رأياً ثم معتقداً، والتكرار تتمة التوكيد الضرورية، ومن يُكرر لفظاً أو فكرة أو صيغة تكراراً متتابعاً يحوّله إلى معتقد "".

وبذلك تحول مصطلح الأصولية - والذي هو في أصله يعني العودة إلى الأصول الصحيحة والصافية التي تُشكِّل المعين الذي لا ينضب للفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية - تحوّل نتيجة للتكرار المُغرض المدروس إلى مصطلح مُشوّه لا يمت إلى معناه الحقيقي بصلة.

الثاني: إن كلمة أصولية عُرِّيت كثيراً من قبل علماء الإسلام وأدرك المسلمون ما تعنيه هذه الكلمة في وسائل الإعلام الغربية، وما يراد لها أن تتضمنه من إيماءات، فتعاملوا معها بحذر وتَوجُّس، هذا بالإضافة إلى الابتذال الشديد الذي لحق الكلمة لكثرة ما تتردد مقترنة بتوظيفات فكرانية أجهضت فاعليتها السلبية التي أُريدت لها وكادت أن تُعدِمَها، مما دفع تلاميذ الغرب والاستشراق إلى محاولة تجديد الكلمة بإضافة هذه الـ " ويّة " إليها لتعطيها دفعاً جديداً، ومغزىً تنفيرياً أكبر، وأكثر فاعلية في حجب الناس عن الرؤية الإيجابية للأصولية، ولا سيما أن الإضافة الجديدة للكلمة تجعلها على وزن ونمط كلمة أخرى ينفر منها كل الناس، وتتبادر إلى أذهانهم بمجرد ذكر الأصولوية أو حتى الأصولية، وهذه الكلمة هي " دموي " و " دموية " وإسهام وسائل الإعلام الغربية في عقد صلة سفاحية بين إراقة الدماء البريئة، وبين الأصولية أو الأصولوية الإسلامية، وهذه " الدموية " هي التي دفعت المستشرقين إلى التفرقة بين مسلم وإسلاموي فالأولى Islamique ذات إيحاء إيجابي حيادي، والثانية Islamiciste ذات إيحاء سلبي دموي متطرف، ولحق بهم كلٌّ من أركون وتيزيني وأمثالهم في اشتقاق مصطلحاتهم على هذا النمط لكي تمثل الغلو، والإفراط، والعنف والقمع.


سؤال:
ما الفرق بين اللائكية والعلمانوية إذا كانتا معاً - كما رأينا - تمثلان الجانب المتطرف في العلمانية؟

العلمانوية تمثل التطرف على مستوى الفكر والتنظير، أما اللائكية فتمثل التطرف حين الممارسة والتطبيق، فالأولى متطرفة فكرياً، وأما الثانية فمتطرفة سلوكياً وعملياً. والله أعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير