تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والخلاصة التي يريد أن يقررها عادل ضاهر هي: أن العلمانية الصلبة لا تقوم على اعتبارات جائزة أو ممكنة، بل على اعتبارات ضرورية، فلا الوحدة الاجتماعية، ولا الشروط التاريخية أو الاجتماعية أو الثقافية، ولا النصوص الدينية هي التي تملي على العلماني الصلب موقفه، وهذا لا يعني أنه يرفض هذه الاعتبارات، بل إنها ربما تكون حافزاً وعونًا له في موقفه، ولكن موقفه الأخير تمليه عليه اعتبارات فلسفية محضة، فهو يبني علمانيته على هذه الاعتبارات بالدرجة الأولى، وما يأتي بعد ذلك مصدقاً فليكن في المرتبة الثانية.

وهذا يعني أن العلمانية الصلبة تعني أمرين أساسيين:

أولاً: أن العلاقة بين الروحي والزمني، بين الدولة والسياسة لا يمكن أن تكون أكثر من علاقة موضوعية، أي علاقة تفرضها ظروف تاريخية معينة، وعلاقة كهذه لا يمكن أن تنبع من الماهية العقدية للدين. ويعني بذلك أنه حتى لو ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام دولة - بعكس ما أراد عبد الرازق وخلف الله أن يُثبتا - فإن هذه الدولة محكومة بظروف وشروط تاريخية معينة، وليس لها أساس ديني خارج التاريخ، ومفارق للزمن والواقع.

ثانياً: أن المعرفة العملية "" أي المعرفة المطلوبة لتنظيم شؤون المجتمع والسياسة والإدارة والاقتصاد والقانون لا تجد ولا يمكن أن تجد أساسها الأخير في المعرفة الدينية ""، وهذا هو تعريف عادل ضاهر للعلمانية.


سؤال:
هذا عن العلمانية الصلبة فماذا عن العلمانية اللينة؟

العلمانية اللينة عند عادل ضاهر هي التي لا تقوم على أسس فلسفية، وإنما تبحث عن مبرراتها في التاريخ والثقافة وعلم الاجتماع والنصوص الدينية، وهذه المبررات بنظره جائزة وممكنة وليست ضرورية كالأسس الفلسفية الحاسمة، ولذلك فإن علمانية هؤلاء تظل علمانية لينة، أي هشة لأن النصوص الدينية ليست حاسمة، والخلاف في تأويلها يغذي كل وجهات النظر، ولأن الشروط التاريخية والثقافية، والاجتماعية خاضعة للتغير والتطور عبر مرور الزمن.
كتاب عادل ضاهر " الأسس الفلسفية للعلمانية " يبلغ 429 صفحة يقوم على جدلية العقل والنقل، وهي كما نعلم جدلية قديمة خاض فيها أعلام الفكر الكلامي الإسلامي، ومنهم من اختار أسبقية العقل على النقل تخلصاً من الوقوع في الدور، والعلمانية عند عادل ضاهر حتمية أو ضرورية - كما يُعبّر - للخلاص من هذه المشكلة " فالعلمانية هي الحل " عنده أيضاً - كما رأينا عند مراد وهبة - وهي المطلق أيضاً لأنها عنده " ضرورية "، ولكن في حين كانت عند مراد وهبة هي الحل لمشكلة الشرق الأوسط وقضية فلسطين، فهي عند عادل ضاهر الحل لأزمة العقل العربي الإسلامي المتمثلة في التردد والحيرة بين العقل والنقل.
علينا أن نحذو حذو إمامينا الجليلين الغزالي والرازي في تقرير آراء الآخرين الذين نختلف معهم قبل أن نناقشها لنتبين الخطأ فيها من الصواب.
لقد اختار عادل ضاهر أن العقل أسبق من الوحي بل هو أساس الوحي، وعلى هذه القضية يقوم كتابه، فالأساس في الاعتبار العلماني هو المرجعية "" إن العلمانية هي بالضرورة موقف رافض للطابع الكلياني للدولة الدينية الذي يرتبط مفهومياً بجعل الاعتبارات الدينية نهائية فيما يخص الأمور الروحية والزمنية على حد سواء … ومن المهم ملاحظة أن المعيار في كون الشخص علماني أو لا علماني ليس هو قبول المقررات الشرعية أو عدم قبوله، وإنما المعيار هو الأساس الذي يبني عليه هذا القبول، فاللاعلماني يبني قبوله على أساس ديني، والعلماني قد يقبل الشريعة، ويبني قبولَه على أساس عقلي أو خلقي، وهو بذلك يظل علمانياً "".
المعيار إذن بين العلماني وغيره هو في أصل المشروعية التي يرتكز عليها مجتمع ما في تصوره لهويته وفي إرسائه لنظمه وشؤونه، ففي المجتمع الديني تُستمَد المشروعية من مصدر مفارق علوي غائب قدسي والإنسان لا مشروعية له هنا ولا شرعية فهو مجرد نائب عن، أما في المجتمع العلماني فالمشروعية مستمدة من داخله من الإنسان المستقل بعقله والذي يُنتِج معارفه وتجاربه وخبرته ففيه المشروعية والمرجعية.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير