تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهو كما هو مصرح ينبت نباتاً في الشعور، وينشأ نشوءاً في النفس الإنسانية وليس للإنزال أي حضور، وليس للوحي أي مصدر خارج الزمان والمكان "" ويكون العيب كل العيب في جعل الوحي مطلقاً خارج الزمان والمكان أو حرفاً في نص مدون ""، فالوحي ليس معطى من الله في لا زمان ولا مكان، بل هو تنزيل إلى البشر، وحلول في التاريخ.

وهو على أربعة أنواع عند د. حسن حنفي:

وحي مباشر من الله وهو الكتاب، ووحي تفصيلي من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتوجيه من الله، ووحي جماعي من الأمة، فالأمة خليفة الله، ووحي فردي من العقل مستند إلى وحي الكتاب والسنة والجماعة. والأصلان الأولان – أي الكتاب والسنة - يدلان على الوحي المكتوب، والأخيران – أي الوحي الجماعي والعقلي - يدلان على الوحي الحي المستمر. ولأن الوحي لم ينزل دفعة واحدة بل حسب حاجات الناس فهو إذن ليس وحياً معطى، بل وحي مُنادَى به اقتضته أحوال الناس واحتياجاتهم.

"" ونصوص الوحي ذاتها نشأت في الشعور، إما الشعور العام الشامل، وهو ذات الله [عز وجل] أو في الشعور المرسَل إليه وهو شعور الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو شعور المتلقي للرسالة وهو شعور الإنسان العادي الذي يشعر بأزمة فينادي على حل ثم يأتي الوحي مصدقاً لما طلب "".

هذا هو مفهوم الوحي عند د. حسن حنفي لا يتجاوز كونه رد فعل انفعالي يشعر به أي إنسان حينما تواجهه مشكلة في حياته فيبحث لها عن حل، إنه إذن في متناول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستطيع أن يستدعيه في الوقت الذي يريد، ويصرفه عندما لا يريد، إنه شعور كسبي يصل إليه الإنسان عن طريق بعض الممارسات والمحاولات بل هو مجرد تبرير يُكسب تصرفات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشرعية السياسية ليضمن استجابة الناس له.

الوحي في كل ما سبق ليس نازلاً من الباري عز وجل وبمشيئةٍ منه سبحانه وتعالى، وإنما صادر من داخل الحياة الأرضية البشرية، وهو بهذا الشكل مفردة لا تتجاوز المنظور والخبرة الإنسانية لأنه:

- مجموعة حلول قابلة للتعديل والتطوير، فالوحي ليس خارج الزمان بل في داخله ويتطور بتطوره.

- معطى بشرياً إنسانياً وليس ربانياً.

ولذلك يجب أن تُؤوّل نصوص الوحي التي تخالف اختياراتنا أو مصالحنا [أو نزواتنا وأهوائنا] فإذا لم تخضع للتأويل يجب تعطيلها إما عملاً بقاعدة النسخ التي شهدها العصر الإسلامي الأول وأقرها الأصوليون، وإما بتحويل النصوص إلى عالم المعاني أي إلى أنساق من التصورات والتجريدات.

الغاية الأساسية لحسن حنفي كما يصرح إذن هي ليست فهم الوحي والتفاعل معه، وإنما "" تحويل الوحي من علوم حضارية إلى إيديولوجيا "". لأنه لا يهمنا في الوحي مراد المُرسِل ومقاصده، فلا يهمنا البعد الرأسي في الوحي وإنما البعد الأفقي، لأن الوحي هدفه الإنسان، ومصلحه الإنسان وسعادة الإنسان،"" فالإنسان هو اتجاه الوحي وموضوعه وهدفه وغايته ""،""وهذا هو معنى أن الوحي أنتروبولوجيا وليس ثيولوجيا أي علم إنسان وليس علم إله"".

وعلى ذلك فلا يمكن أن ينقطع الوحي لأنه تعبير عن الطبيعة الإنسانية وهو مفهوم لا ينكر النبوة بل يعني استمرارها ودوامها عن "" طريق نزوع الطبيعة، فالطبيعة هي الوحي، والوحي هو الطبيعة وكل ما يميل إليه الإنسان بطبعه هو الوحي، وكل ما يتوجه به الوحي هو اتجاه في الطبيعة، الوحي والطبيعة شيء واحد، ولما كانت الطبيعة مستمرة فالوحي بهذا المعنى مستمر، والنبوة دائمة، ولكننا أنبياء يوحى إلينا من الطبيعة، وصوت الطبيعة هو صوت الله، والوحي الطبيعي هو أكبر رد فعل على الوحي الرأسي فهو وحي بلا معجزات ولا ملائكة ولا أنبياء "". وبذلك "" لا يكون الوحي مجرد واقعة حدثت في الماضي عدة مرات ثم توقفت تاركاً شأن البشرية سدى بل الوحي اسم يُطلق على النشاط الذهني للإنسان في كل زمان ومكان "".

"" وهكذا يكاد الخطاب اليساري أن يُحوِّل الوحي إلى الطبيعة، ويرد الميتافيزيقي إلى الفيزيقي ويبلور فهماً تنويرياً للعقيدة والوحي، فهماً يجعل من كل إنجاز بشري عقلاني في مجال معرفة الطبيعة والواقع إضافة للوحي، واستمراراً له "".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير