تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا هو المعنى التقليدي للهرمينوطيقا، ولكن مع تطور نظرية النسبية أصبحت الهرمينوطيقا تُعنى بفن الفهم، وهذا المعنى " فن الفهم " هو الذي سيؤسس له شلاير ماخر 1768 – 1834 م الذي يُعتبر أبا التأويلية الحديثة، وأصبح فن الفهم أو فن التأويل يتناول ليس النصوص المقدسة فقط بل تعدى ذلك إلى النصوص البشرية ذات المضمون الطبيعي اليومي.

ومعنى كونها تجاوزت الكتب المقدسة إلى الكلام البشري اليومي أنها أصبحت تُخضع كل شيء للتأويل، وتعتبر التأويل هو الأصل في الكلام، وبذلك تكون الهرمينوطيقا نمطاً من أنماط القراءة والتأويل للنصوص والتراثات الفكرية.

وتنتهي القراءة في الهرمينوطيقا إلى أن تصبح مفهوماً يمثل تصوراً أو فهماً معيناً للعالم والإنسان والتراث، ويعكس فكر القارئ ومنهج تعامله مع النص كوجود تاريخي، وممارسة للوجود والكون في شروط إمكان زمكانية، وتغدو القراءة بذلك عملية تأويلية وتفسيرية للوجود والكون. "" إن البحث التاريخي في دلالة الهرمينوطيقا يجعلنا نعود إلى دلالة هذا المصطلح في أصله اللغوي إذ يعود في اللغة الإغريقية إلى فعل hermenuo الذي قد يعني traduire أي ترجم و expliquer بمعنى فسِّر، و exprimer أي عبَّر وأفصَح وأبان، وبذلك تفيد الهرمينوطيقا معنى القراءة بما هي تفسير وتأويل أو شرح وكشف وبيان، أما داخل فضاء اللغة اللاتينية فإن المصادر والمراجع المعتمدة تفيد أن مصطلح الهرمينوطيقا لم يتشكل إلا في بداية العصر الحديث رغم أن فكرة فن أو نوع من التأويل موجودة منذ القدم "". وقد استخدم المصطلح على الأرجح لأول مرة في عنوان كتاب لدانهاور سنة 1654 م.


- الهرمينوطيقا الخاصة:

في مقابل الهرمينوطيقا العامة التي اهتمت بتفسير الوجود تقوم هرمينوطيقا خاصة تركز بالذات على تفسير النصوص، ومن أبرز ممثليها بول ريكور [ولد سنة " 1913م] الذي يُعوِّل كثيراً على التفسير الرمزي، وهو ما سيُعتَبر أساساً تقوم عليه الهرمينوطيقا، إذ يَعتبر ريكور الرمز وسيطاً شفافاً ينم عما وراءه من معنى، ومعنى ذلك أن يقول القائل شيئاً وهو يعني شيئاً آخر في آن واحد، وبغير أن تتعطل الدلالة الأولى وهو ما يسمى " بالوظيفة الأليغورية " للغة بالمعنى الحرفي للكلمة. وهذه الطريقة لجأ إليها بولتمان في تحطيمه للأسطورة الدينية في العهد القديم، والكشف عن المعاني العقلية التي تكشف عنها هذه الأساطير.
وهناك طريقة أخرى يمثلها كل من فرويد وماركس ونيتشة كما يبين ريكورنفسه، وهي التعامل مع الرمز باعتباره حقيقة زائفة لا يجب الوثوق به، بل يجب إزالتها وصولاً إلى المعنى المختبئ وراءها، فالرمز في هذه الحالة لا يشف عن المعنى بل يخفيه ويطرح بدلاً منه معنى زائفاً، ومهمة التفسير هي إزالة المعنى الزائف السطحي وصولاً إلى المعنى الباطني الصحيح. لقد شكك فرويد في الوعي باعتباره مستوى سطحياً يخفي وراءه اللاوعي، وفسر كلٌّ من ماركس ونيتشة الحقيقة الظاهرة باعتبارها زائفة، ووضعا نسقاً من الفكر يقضي عليها ويكشف عن زيفها.
والرمزية الريكورية تقوم على الكشف والإبلاغ عندما تساعد في تفجير دلالات اللغة عوضاً عن انكفائها على ذاتها. وتعتمد على مفهوم العلامة عند سوسير باعتبارها ذات صلة وعلاقة مع غيرها من العلامات، وباعتبارها ذات إمكانات استدعائية عجيبة، وذات قدرة فريدة على تأويل بعضها البعض، وبكون العلامة قادرة على التعبير عن شيء دون أن تتعطل عن التعبير عن شيء آخر. وبذلك يعتبر ريكور رمزيته ظاهرة ملموسة للمعنى على مستوى الخطاب، موثقة على أرضية العمليات الأولية للعلامات، وبذلك تكتسب رمزيته - بنظره - قيَماً وظيفية، فلم يعد الاشتراك اللفظي ظاهرة انحراف في ذاته، ولا الرمزية زينة في اللغة.
ويصل ريكور إلى أن القيمة الفلسفية للرمزية تكمن في كونها تعبر عن غموض الكينونة من خلال تعدد إشارية علاماتنا.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير