تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه الرمزية تنتهي بريكور إلى تقرير النتائج التي يتفق عليها أغلب الهرمينوطيقيين فالنص بمجرد أن يُدوَّن كتابة يصبح مستقلاً عن قصد الكاتب، وتنفتح عندئذ إمكانيات التأويل المتعددة المفتوحة التي لا تختزلها أية رؤية، وتكون مهمة الهرمينوطيقا هي الكشف عن "" شئ النص غير المحدود "" لا عن نفسية المؤلف، لأن دلالة النص العميقة ليست هي ما أراد الكاتب قوله، بل ما يقوم عليه النص بما فيه إحالاته غير المعلنة. ولذلك يعلن ريكور: "" أحياناً يطيب لي أن أقول: إن قراءة كتاب ما هي النظر إلى مؤلفه كأنه قد مات … وبالفعل تصبح العلاقة مع الكتاب تامة وثابتة بشكل ما عندما يموت الكاتب "".

ونصل الآن إلى هيرش الفيلسوف الأمريكي الذي حاول أن يُعيد الاعتبار للنص والمؤلف بعكس ما سبق أن قرر أسلافه الهرمينوطيقييين، ولكنه اتجه إلى التفرقة في النص بين المعنى والمغزى، فالنص الأدبي قد يختلف ولكن معناه ثابت، المغزى فقط هو المتغير من عصر إلى عصر، ولا يهمنا في النص الأدبي ما يعنيه المؤلف أو ما كان يقصده، أو ما أراد أن يعبر عنه، إنما الذي يعنينا بحق هو المعنى كما يعبر عنه النص.

ونحن إذا تأملنا في الفكرة الأساسية لدى أغلب الفلاسفة الذين عرضنا لهم آنفاً نتبين بوضوح أن الفكرة الأساسية الشائعة لديهم والمتفق عليها أن النص خاضع لأفق القارئ، ومدى قدرته على استنطاقه، ومدى قدرته على الاستدعاء من خلاله. إن مهمة القارئ مع النص هي أن يتمكن من إبداع نصوص إلى جانب النص الأصلي، ولا يهم أن تكون ذات صلة بمقاصد المؤلف الأول أو مراميه، المهم أن يتمكن القارئ من ربط استيحاءاته واستدعاءاته وإبداعاته بالنص بأي شكل من الأشكال، أو بأي رمز من الرموز أو بأي علامة من العلامات "" هذه الدائرة الهرمينوطيقية ستحول الثبات إلى حركة، نظراً لأن المعنى وقع استبداله بالفهم، هذا الفهم مرتبط بذات بشرية متحولة ومتغيرة، لذلك أصبح الفهم بحسب ما يريده القارئ، لا كما يريده المؤلف، لأن زمن التأليف غدا زمناً غائباً ينتمي إلى الماضي، بهذا لا يمكن الاستقرار على معنى، فهناك موت وانهدام للمعاني، وتخلُّق جديد لدلالات أخرى، ومن ثَّم فهذه الدائرة الهرمينوطيقية تجعلنا ندور في مجال لا نهائي ""، ونمتعض من افتراض معنى موجود سلفاً، لأن هذا المعنى سيكون ضد حركة الفكر.


- اللسانيات:
اللسانيات فرع من علوم اللغة الحديثة أرسى قواعدها العالم السويسري فرديناند دي سوسير 1857 – 1913م وذلك في محاضراته التي أملاها على طلابه بين عامي 1907 – 1913م.
غير أن ولادة هذا العلم لدى كثير من الباحثين الغربيين ترجع إلى مائة سنة قبل سوسير وذلك لدى الألماني فرانز بوب سنة 1791، 1867 م.
وتطورت على أيدي عدد من الباحثين فيما بعد أمثال: بريس باران الذي كتب كتابه " أبحاث في طبيعة اللغة ووظائفها " سنة 1942م، وبول شوشار الذي كتب كتابه " اللغة والفكر " سنة 1956م وتشومسكي في كتابه " اللسانيات الديكارتية " و " الطبيعة الشكلية للغة " نشره سنة 1966 وغيرهم من أمثال رومان جاكبسون وآيميل بنفنيست.
تقوم اللسانيات على اعتبار اللغة مجموعة مصطلحات أو علامات ارتضاها المجتمع حتى يتيح للأفراد أن يمارسوا قدرتهم على التخاطب يقول دي سوسير "" اللغة نتاج اجتماعي لملكة الكلام ومجموعة المواضعات التي يتبناها الكيان الاجتماعي ليمكن الأفراد من ممارسة هذه الملكة "". وتنشأ بين الكلمة والفكرة رابطة، أو تلازم نفسي يحدد اللسان باعتباره ظاهرة نفسية جماعية، ولذلك يُفترض بالتخاطب حتى يؤدي عمله أن يصل بين شخصين يملكان قدراً مشتركاً من الأفكار والألفاظ.
ويميز سوسور بين اللسان والكلام، فاللسان هو مجموع الكلمات التي يملكها المجتمع والتي تُدوَّن في المعجم بينما الكلام هو ما يملكه الفرد من مصطلحات في ذاكرته أو قاموسه اللغوي.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير