فالقراءة للنص هي عملية إكمال من خلال التراكم المعرفي، تتم في الزمانين الوجودي والتاريخي من خلال شعور الفرد والجماعة وتراكم الخبرات فيهما معاً، وبعد كل تراكم معرفي يأخذ النص أبعاداً جديدة لم تكن مقروءة فيه من قبل، ولا تكون موجودة في النواة الأولى للنص، وهذا هو معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف أي على مستويات تفسير النص طبقاً لأعماق الشعور، وطبقاً لتراكم المعرفة من عصر إلى عصر، فالآيات ليس لها حقيقة معينة إلا ما في شعور الإنسان، وقراءتها لا تحتاج إلا إلى خبرة القارئ الشخصية واليومية التي يكتسبها من خلال تجربته ومعايشته للحياة والواقع.
وهكذا في منظور الخطاب العلماني فإن الشرح " الفرع " ينسخ الأصل، أي أن النص الشارح ينسخ النص المشروح، فالمؤلف الذي يؤلف كتاباً لكي ينقذك من ضلالك يصبح كلامه أولى من الكلام الإلهي، وهذا شأن كل خطاب يدور حول النبوة والله والأصول، إنه يعمل للحلول محل النصوص التي سبقته بدءاً من النص القرآني حتى آخر كلام قيل حوله، لأنه من المستحيل حصول تطابق دلالي بين خطاب التفسير، والنص المراد تفسيره.
وبذلك تتحول علاقة القارئ بالنص إلى علاقة ناسخ بمنسوخ، لأن القراءة للنص ليست استهلاكاً، وإنما إعادة إنتاج وإعادة كتابة له، وعليه فلا سبيل إلى إيجاد قراءة موضوعية لأي نص، وستظل القراءة تجربة شخصيته، ويظل إنتاج الدلالة فعلاً مشتركاً بين القارئ والنص، ويظل النص متجدداً بتعدد القراء من جهة، وباختلاف الظروف من جهة أخرى.
9 - الرمزية:
الإنسان في الخطاب العلماني "" يحيا بالرمز وفي الرمز وللرمز "". ومن هنا يلح هذا الخطاب على جعل القرآن الكريم مجموعة رموز أو مجازات لكي يستطيع أن يرمز بها لما يريد، ويضمنها بما يرغب، فالرمزية تُتيح للقارئ حرية أوسع في تقويل النص، وعليه فالقرآن - بنظر الخطاب العلماني - كالأناجيل ليس إلا "" مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً "". ولغة القرآن بنظر هذا الخطاب نادراً ما تكون تصريحية، وإنما هي تلميحية في معظم الأحيان ولذلك فإنها قابلة للتعميم على الأحوال المختلفة.
ومن هنا يستدل الخطاب العلماني بأحاديث منسوبة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل "" لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة "". وأيضاً "" القرآن نزل على وجوه كثيرة فخذوا بوجهه الحسن أو الأحسن "". يقولون ذلك من أجل أن يقبل القرآن التعددية القرائية ويقبل عملية التشظي إلى ما لا نهاية أي"" قابليته لأن يعني باستمرار "". "" لو لم نتخذ هذا الموقف التعددي منهجياً لكنا طمسنا إحدى خصائص القرآن الأساسية ألا وهي قابليته لأن يعني، أي لأن يعطي معنى باستمرار ويولد هذا المعنى "" أي "" قابليته لتوليد المعنى وللإيحاء ... هذه الفكرة الغالية جداً على رولان بارت "".
10 - التناص:
ويعنون بذلك أن القرآن الكريم أسهمت في تشكيله نصوص سابقة عليه كالتوراة والإنجيل والشعر الجاهلي والسجع وغير ذلك. وهو ما حاول أن يؤسس له من خلفية ماركسية نصر حامد أبو زيد.
هذه هي الأسس التأويلية التي تتم قراءة القرآن الكريم من خلالها وهي أسس هرمينوطيقية كما سيتضح لنا فيما بعد لا صلة لها بمفهوم التأويل في الإسلام ولكن لابد من الإشارة إلى أن هذه التأويلية العلمانية المفتوحة تستند في قراءتها للنص القرآني على بعض المفاهيم الأصولية والصوفية وذلك لتقويل القرآن بكل ما يرغب به قراؤه ومن ثم تكريس تاريخيته ونسبيته ومن هذه المفاهيم: - الكلية والإجمالية التي تبدو في القرآن " المجمل في أصول الفقه ".
- المحكم والمتشابه.
- الظاهر والباطن.
- القراءات والأحرف السبعة. وهو ما يسميه طيب تيزيني "" اختراق النص متنياً "".
-العموم والخصوص.
هذه بنظر الخطاب العلماني مداخل كبرى لجعل النص مرناً مطواعاً لكل التأويلات والتفسيرات والاجتهادات.
-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-
حتمية العلمانية
سؤال:
هل ستعم العلمانية العالم بشكل لا مفر منه، أي هل العلمانية حتمية؟
0000000000
أولاً: ماذا يقول العلمانيون؟
¥