تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولذلك فالتأويل يعني أن الحقيقة لم تُقَل مرة واحدة، وأن كل تأويل هو إعادة تَأَوُّل، ولا مانع أن يأتي التأويل بالمتناقضات، وكلما كان النص عصيِّاً عل الفهم كلما أمكن توظيفه بشكل أكثر والنص القرآني قادر على توليد مختلف القراءات والتأويلات حتى التعارض والشقاق

6 - لا نهائية المعنى:

مضمون هذه الفقرة في الواقع لا يختلف عن مضمون الفقرة السابقة، ولكننا أفردناها مستقلة فقط للتأكيد على أن النسبية التي يتحدث عنها الخطاب العلماني تؤدي إلى هذه النتيجة " الهرمينوطيقية ".

فما دام القرآن كما رأينا لا ينص على الحقيقة، ولا يقول شيئاً ويقول كل شيءٍ فإن المعاني فيه لا نهائية ولا تقف عند حد "" والذين يسعون لإرجاع نص حر غير منتظم تتفجر منه آلاف المعاني ... إلى عرض منهجي خطي إنما يقعون في تناقض لغوي سمج، فلا يمكن نقل الكلام ذي البنية الأسطورية إلى مجرد كلام دال بدون إفقار قصي لجملة معقدة من المفاهيم "" ولذلك فلا يحق لأي تفسير أن يُغلق القرآن، لأن النصوص تُنتِج دائماً دلالات جديدة مفتوحة مطردة، والركون إلى التفسير الحرفي موت للنص. ولذلك يجب أن يكون التأويل بلا حدود حيث تصل الكلمة إلى مرحلة التحرير، تحرير الكلمة وإطلاق قيدها لتصل إلى درجة الصفر درجة اللامعنى، أي درجة كل الاحتمالات الممكنة، فالكلمة حرة مطلقة من كل ما يُقيِّدها، وبذلك فهي لا تعني شيئاً، وهي قادرة في نفس الوقت على أن تعني كل شيء.

7 - الفراغات أو ما بين السطور:

لا يثق الخطاب العلماني بالنص القرآني، لماذا؟ بسبب قوته وممارسته للحجب والاستبعاد لهذا قالوا: "" نحن لا نثق بالنصوص كل الثقة، ليس لأنها تتصف بالضعف والركاكة، بل بالعكس بسبب من قوتها بالذات ... ذلك أن الكلام القوي يمارس سلطته في الحجب والمنع والاستبعاد … يصدق هذا على كل النصوص التي تحتمل التأويل وبنوع خاص على النصوص الشعرية والنبوية والفلسفية "".

ولأنه خطاب مثله مثل غيره في كونه إنتاجاً معرفياً ضمن منتوجات أخرى خاضع لإكراهات اللغة، بالإضافة إلى كون النص القرآني - بنظر الخطاب العلماني - ذا بنية أسطورية فإنه يمارس آليات الحجب والطمس والتحوير والتحويل.

ولذلك على القارئ - بنظر الخطاب العلماني - أن لا يُعنى ""بما ينطق به الخطاب بقدر ما يُعنى بما يسكت عنه ويحجبه من بداهات ومصادرات "". لأن "" مهمة الفهم هي السعي لكشف الغامض والمستتر من خلال الواضح المكشوف، اكتشاف ما لم يقله النص من خلال ما يقوله بالفعل "" لأن ""الكلام مخادع مخاتل، والنص عمل متشابه مراوغ ... فهو يلعب من وراء الذات "" "" وإذا كان النص لا يقول الحقيقة بل يخلق حقيقته فلا ينبغي التعامل مع النصوص بما تقول وتنص عليه، أو بما تعلنه وتصرح به، بل بما تسكت عنه ولا تقوله، بما تخفيه وتستبعده""."" يجب أن نبحث في النص عما لم يقله المؤلف، فنجد فيه عكس ما يصرح به"" "" فالنص يحتاج إلى عين ترى فيه ما لم يره المؤلف، وما لم يخطر له "". ""مهمة القارئ الناقد أن لا يؤخذ بما يقوله النص، مهمته أن يتحرر من سلطة النص لكي يقرأ ما لا يقوله "" "" إن نقد النص هو قراءة ما لم يقرأ "" وذلك حتى نعثر على معنى المعنى، فنتحرر من سلطة النصوص، ونكف عن التعامل معها وكأنها أو ثان تعبد.

هذه هي إذن المعاصرة التي يتوخاها الخطاب العلماني في قراءة النص، فلكي يكون النص معاصراً لنا علينا أن نضفي عليه ما نريده نحن، ونُقوِّله ما لم يقل.

8 - التأويل إنتاج للنص:

التفسير والشرح للنص في منظور الخطاب العلماني خُدعة، لأن الشرح يحل محل النص، ويعيد إنتاج النص، فهو نص جديد، لأنه لا ترادف في اللغة ولا اشتراك. إن القارئ يخلق النص، فهو خلاق آخر يواكب خلاق النص حيث "" يصبح القارئ مؤلفاً كما كان المؤلف قارئاً، ويتحول العمل الفردي إلى عمل جماعي، النص إذن إبداع مستمر، وخلق جماعي، لا فرق بين تأليفه وقراءاته، بين وضعه وانتحاله، بين فهمه وشرحه"".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير