20 - عندها اقتنعوا .. ثم عادوا وفكروا .. كيف ينتقدون شخص هذا النبي الذي كانوا يصفونه بالصادق الأمين .. وليس في سيرته أي عيب أخلاقي أو سلوك مشين .. بل نسبه أكرم أنساب العرب .. وهو لم ولا يشرب قطرة خمر .. لم ولا يرابي أبداً ... لم ولا يكذب كذبة واحدة ... لم ولا يسجد لصنم ....... أبداً لا قبل ذلك ولا بعده.
بل كانوا يستأمنونه على حوائجهم وهو النبي وهم الكفار ... حتى قبيل الهجرة كما هو معلوم.
فكانت حجتهم ...
ما قال تعالى في سورة الزخرف: " وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـ?ذَا الْقُرْآنُ عَلَى? رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ".
إذن .. لم يطعنوا في أخلاق محمد .. ولا أهليته لحمل الرسالة من جنون وغيره ... بل كان عيبه الوحيد .. أنه ليس أعظم شخصية (بحسب مقاييسهم) في مكة أو الطائف.
لا تَعْجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنْكِرُها ### تَجاهُلاً وهْوَ عَيْنُ الحاذِقِ الفَهِمِ
قد تُنْكِرُ العيْنُ ضَوْءَ الشِّمْسِ من رَمَدٍ ### ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماءِ من سَقَمٍ
21 - لم تفد أي من تلك الوسائل في إثارة شك العرب والطعن في إعجاز القرآن الكريم، وصرف الناس عن التصديق بكونه وحي يوحى.
لقد كان للقرآن الكريم أشد التأثير في نفوس المدعوين .. فكان الحل الأخير .. أنهم تداعوا وتنادوا لعدم الاستماع إلى آيات القرآن الكريم .. ليمنعوا وصوله إلى آذان أكبر عدد ممكن من الناس.
قال تعالى في سورة فصلت: " وَقَالَ الذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـ?ذَا ?لْقُرْآنِ وَ?لْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ".
22 - ثم بيّن الله عز وجل حال أولئك (ومن سار على دربهم إلى يوم القيامة) ..
قال تعالى في سورة الأنعام: " قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ".
صدق الله العظيم.
من هنا ... يظهر لنا ..
- استحالة صدور هذا القرآن الكريم عن بشر .. وإلا لأمكن الإتيان بمثله.
- لم تطعن قريش بفصاحة القرآن الكريم.
- زيادة على ذلك .... اعترفوا بإعجازه، وذلك عندما لم يعارضوه.
فنجد أن معارضة القرآن الكريم لم تظهر أبداً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
لأن من تحداهم من قومه تهيبوا أن يعارضوه.
وخشوا أن يظهر عجزهم .. ويكونوا أضحوكة الجميع.
كانت قريش قبيل الإسلام .. أرقى العرب علماً وحضارة وفصاحة .. فكان شعراء العرب وبلغاؤهم يتحاكمون إليها ..
فانظروا إلى حال من دونهم وهم يتخبطون ذات اليمين وذات الشمال ...
نزل القرآن الكريم ... فعرفت قريش حجمها ... طلبت السلامة .. وعدم الفضيحة.
لم ينبس أهلها ببنت شفة .. وهم أشد الناس حمية إذا استُثيروا ... فكيف إن كان النقد والتعريض يطال آلهتهم (بالاسم) .. وأقدس مقدساتهم .. ما توارثوه من عادات كانت ملح حياتهم اليومية: شرب الخمر، الربا، وأد البنات ... ؟؟!!
كل ذلك .. رضوا مهانة التبكيت .. خشية الفضيحة الأكبر ..
ولسان حالهم .. يتمثل قول امرئ القيس:
وَقَد طَوَّفتُ في الآفاقِ حَتّى ### رَضيتُ مِنَ الغَنيمَةِ بِالإِيابِ
أمر آخر ..
لو كان محمد صلى الله عليه وسلم طالب دنيا .. لارتاح ووافق على رجائهم وكان أغنى العرب وأكثرهم جاها ..
ثم استخدم ذلك كله لنشر الإسلام.
لو كان الإسلام على هوى محمد صلى الله عليه وسلم وطموحاته الدنيوية المزعومة،، لكان زعماء قريش وكبراؤهم هم الأحق بالعلو والكرامة والمنزلة من الأعمى ابن أم مكتوم رضي الله عنه.
ولو كانت قريش قد آمنت به من ساعتها .. لمات الإسلام بوفاة محمد صلى الله عليه وسلم،،
ولما خرجت الدعوة خارج حدود مكة المكرمة .. بل ما تعدت حدود أحياء قبيلة قريش داخل مكة، وبيوت بني هاشم .. إلا قليلاً.
لأن الناس سيظنون أن تلك دعوة إصلاحية قبلية .. ذات أسباب دنيوية،، أو ثورة اجتماعية خاصة بتلك العشيرة فقط.
ولقالوا: لولا عشيرته لما انتصر ... ما الإسلام إلا دعوة عنصرية قبلية .. وما آمن معه الناس إلا بدافع العصبية العشائرية.
لقد كان موقف قريش من دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آية من آيات الله ..
وعلامة من أدل علامات النبوة ..
لمن ألقى السمع وهو شهيد ..
لمن نظر بعينين مفتحتين ..
وفكر بما في رأسه ..
سبحان الله ..
ألا يعلم من خلق
وهو اللطيف الخبير