ـ[سمير القدوري]ــــــــ[30 May 2006, 01:46 ص]ـ
المجلس الرابع
ببلد [وليد] أعادها الله للإسلام.
كان هذا المجلس بدار رئيس الكتبة مع أسقف ذي حدة وجدل، جلس إلي وجعل يستدرجني للسؤال عن صلاة المسلمين وصيامهم وحجهم، وقد فهمت غرضه فأخبرته بذلك على جهة الاختصار.
من ذلك أنه قال: "ما كيفية صلاتكم؟ ".
قلت: "هي على هيئة صلاة الأنبياء عليهم السلام وصلاة الملائكة، من الركوع والسجود والخضوع ووضع الجبهة بالأرض، وهي أشرف الأعضاء، والقيام للصلاة صفوفاً كما تصطف الملائكة، ولم تفعل ذلك أمة غير هذه الأمة، ولا نقرب الصلاة إلا بطهارة الأجسام، وطهارة الثياب، وطهارة البقاع. فإنما أمِرنا أن نُنزِّه مساجدنا عن النجاسات".
قال: "فهلا اكتفيتم بطهارة القلوب".
قلت: "وطهارة [القلوب] مأمورة [في ديننا أكيد فعل جزم طلب و] زيادة ما ذكرت لك من الطهارة، لأن المصلي في ديننا يناجي ربه، فأمِر أن يكون على أكمل الحالات وأنظفها".
قال: "فإنا لا نرى شيئاً مما ذكرت عدا طهارة القلوب عن الأوصاف الذميمة، فإن الله لا ينظر من بني آدم إلا إلى قلوبهم".
قلت: قد قلت لك إنا قد أمِرنا بذلك، وقد [ع: 312] قال نبينا عليه السلام في هذا الفن: "إن الله لا ينظر إلى حسن صوركم ولباسكم، ولكنه ينظر إلى ما في قلوبكم"، ولو فهمتم عن الله لوجدتم الطهارة الحسية.
وكفاكم في ذلك ما تعلمونه من قصة موسى عليه السلام، حيث أمره الله أن ينزع نعليه بالواد المقدس، سبب ذلك عند كافة العلماء أنها كانت من جلد غير طاهر. هذا في المنصوص، وأما في العرف, فلو أن رجلاً دخل على الملِك وثيابه وسخة لاستقذره و [م:136] استجفاه [واستقصاه]، فكيف بمن يناجي رب العالمين، "ولله المَثَل الأعلى". ولتعلم أنَّا لسنا ممن يجيز أن يكون بيت صلاته كنيفاً ومحلاًّ للقاذورات.
قال: "كأنك تُعَرِّضُ بي".
قلت: "أن يكون هذا عندكم".
قال: "إنه قد يقع ذلك من بعض جهالنا وصبياننا وسفهائنا".
قلت: "فإن إقراركم لهم عليه من غير أن تأخذوا على أيديهم رضاً منكم بفعله، واتفاق على جوازه".
فطأطأ رأسه فقال: "صف لي كيفية صيامكم".
قلت: "هو الإمساك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، عن كل ما يصل إلى الحلق من جميع المنافذ، وعن الجماع، وعن استدعاء الإنزال بأي وجه كان، ووقته [وقت] شهر رمضان".
قال: "فإن صيامنا خمسة وأربعون يوماً".
قلت: "فكيف يجب عليكم، أ مَرَّة في العمر أم أكثر؟ ".
قال: "كأنك لم ترنا بين أظهرنا منذ زمان وأنت تشاهدنا نصومه في كل عام".
قلت: "فإني لم أر لكم صياماً منذ إقامتي فيكم، بل رأيتكم تأكلون على ما جرت به عادتكم أكلة هائلة في نصف النهار، ومن أراد الأكل منكم باليل فإنه يأكل من المعاجن ما شاء بقدر معلوم عندكم من الخبز، ومن اشتهى الشرب منكم شرب متى أحب من ليل أو نهار، فما كنت أظن أن مثل هذا يعد صياماً".
قال: "فإن هذا صيام المسيح وصيام حواريه".
قلت: "من أعلمكم أن هذا كان صيام المسيح مع اضطرابكم في جميع أموره، واختلاف اليهود مضليكم في أمره، واضطراب أقوالهم في صلبه، فمن أخبارهم من أثبته، ومنهم من أنكره، وهم منكرون لدينكم جملة وتفصيلاً، وكل ما بيدكم في قصة المسيح إملاء من أحبارهم المسؤولين من قسطنطينكم بعد موت المسيح ببرهة من الزمان، فأنت تعلم من يأخذ دينه تقليداً من أعدائه المنكرين له ولدينه المـ (فراغ) به".
قال: "أما أنك قد غلوت في الرد والنيل من ديننا، وأثنيت على دينك، وبالغت في إطراء صلاتكم وشريعتكم، ولا ينفعكم من ذلك شيء إلا أن تؤمنوا بالمسيح أنه ابن الله".
قلت: "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين"، على أني أطالبك في شيء، فإن جئت به صحيحاً في النقل فأنا أول الشاهدين على صحة دينك".
قال: "ما هو؟ ".
قلت: "أن تأتي بنص من التوراة والإنجيل من كلام المسيح عليه السلام، يقول فيه أنه الله أو ابن الله".
قال: "إنه ربما سيوجد ذلك".
قلت: "فهلُمّه".
وكان قد دار بنا (313) / جماعة من الرهبان والعامة، فقال له الرهبان: "هذا شيء لا يوجد في كتاب من كتبنا، إذ لم يُحفَظ قط عن المسيح شيء من ذلك إلا كلاماً فيه احتمال ضعيف، الإنكار فيه أظهر من الاثبات، وهو أن أحد الحواريين سأله المسيح: "ما يقول الناس في؟ "، فقال: "يا روح الله! منهم من يقول إنه ساحر، ومنهم من يقول إنه كاذب. (فراغ): " وأنت، ما عندك في أمري؟ ". قال: "عندي أنك ابن الله"، فقال له المسيح: "أنت قلتها".
هذا أكثر ما يوجد عندنا، والإنكار أظهر فيه من الاقرار، وأنه يوجد في ذلك نصّ صريح فلا".
فقال لي الأسقف عند ذلك: "من أين علمت أنه لا يوجد نص في كتابنا للمسيح يقول فيه أنه ابن الله؟ ".
قلت: "لأني رأيت من كتبكم جل ما تتعاطونها، وأيضاً فإن مثل هذه المقالة الشنعاء تستحيل على المسيح عليه السلام، إذ هو نبي معصوم، ولا يمكن بل ولا يجوز أن يتكلم بهذا القول العظيم الذي أحوجتموه إلى إنكاره، والاعتذار منه عند الله، وإنكم لتحسبونه هيِّناً وهو عند الله عظيم. وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه أنه سائله عنه يوم القيامة ليكون أبلغ في توبيخكم وتكذيبكم، وإقراركم بحضرة الخصم.
فنسأل الله العظيم أن يعصمنا من الخذلان والضلال، وأن لا يجعل للشيطان علينا سبيلاً".
ثم انفصلت عنه وهو أشهى ما كان لمحاورتي والخوض فيما كان بسبيله، وكان خنقه أشد على الرهبان من كونهم ردوا عليه ما كان ينتحله ويزعمه.