فكانت أول سهام نقدهم، الطعن في إلهية مصدر القرآن الكريم. فقالوا ما هو إلا أساطير الأولين: " وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ". [الأنعام: 25]. ثم قالوا بل حقائق من تعليم بشر " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا " [الفرقان:4]. وتتالت الشبهات في مصدره مضطربة مشوشة: " بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ " [الأنبياء: 5]. لذا وصفهم القرآن الكريم بالاضطراب؛ فشبهاتهم عبارة عن أقوال بلا دليل: " بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ " [ق: 5]. وقال لهم: " إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ " [الذاريات: 8].
فلم تصمد شبهاتهم الطاعنة في مصدر القرآن الكريم أمام التحدي بالإتيان بمثله، فلو كان القرآن الكريم كلام بشر، لأمكن أي إنسان الإتيان بمثله: " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " [يونس: 38]. لكنهم امتنعوا عن معارضته وهم أهل الفصاحة والبلاغة، لعلمهم باستحالة ذلك، وحفظاً لماء وجههم من الإتيان بمعارضات لا يمكن مقارنتها وقياسها بأسلوب القرآن الفريد، وبلاغة ألفاظه، وفصاحة معانيه، وإعجاز نظمه.
عندها انتقلت الشبهات من الطعن في مصدره، إلى الطعن في محتواه. ومن الأمثلة عليه: زعم وجود شبهة خطأ تاريخي في القرآن الكريم، أثاره بعض نصارى نجران. قال المغيرة بن شعبة t: " لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ " يَا أُخْتَ هَارُونَ " [مريم: 28] وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا. فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُم ". ([1])
ومثلها الطعون في أصالة لغة القرآن الكريم، وقد تصدى للذود عنها عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، بما اشتهر باسم: مسائل ابن الأزرق ([2]) حين قال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر ([3]): قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به. فقاما إليه فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله، فتفسرها لنا، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب؛ فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين. فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما ... ". فكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يجيبهم عن كل شبهة بأبيات من كلام العرب. ([4])
وقد اشتهر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بالحوار لرد الشبهات حول كثير من موضوعات القرآن الكريم وأسلوبه. ([5])
أما بدايات التأليف في الانتصار للقرآن الكريم فأول من ألف فيه: مقاتل بن سليمان ([6]) وله كتاب: " الجوابات في القرآن ". ثم سفيان بن عيينه ([7]) له فيه كتاب: "جوابات القرآن" ([8]). ثم قطرب ([9])، واسم كتابه: "الرد على الملحدين في متشابه القرآن" ([10]). وهذه الكتب الثلاثة مفقودة.
وأقدم الكتب التي وصلت إلينا في هذا العلم مفرداً، هو كتاب ابن قتيبة ([11]): "مشكل القرآن ". وبعده تتالت الكتابات المستقلة للعلماء، في هذا الفن. ([12])
وهي في غالبها دراسات نقدية لاستشكالات المسلمين، أو الرد على شبهات أصحاب البدع من المنتسبين إلى الإسلام.
أما أول ما كتبه غير المسلمون في الطعن بالقرآن الكريم، فكان كتاب " حياة محمد " ليوحنا الدمشقي ([13])، وكان ذلك بين عام (81 - 137 هـ / 700 - 745م) ذكر فيه أن الإسلام فرقة مسيحية مارقة، ظهرت في عهد الإمبراطور هرقل ([14]) ( Hercule)، بفعل متنبئ من العرب يدعى حامد (محمد). ([15])
ثم ظهرت كتابات المستشرقين الناقدة للقرآن الكريم، وأقدم ما عُرِف من نشاطات المستشرقين. دراسة استشراقية كانت بعنوان: " ماذا اقتبس محمد عن اليهودية؟ ". ([16])
أما أول طبعة للنص الكامل للقرآن وبحروف عربية، كانت في ألمانيا سنة 1694م، وتقع في (560) صفحة. ([17])
¥