تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والخلاصة الأركونية أن "" الإسلام فرض نفسه كدين مدعوماً بواسطة نجاح سياسي، إذن فهو حدث تاريخي بشكل كامل "" ([70])، وتشكل منه إسلام مثالي متعال وفوق تاريخي هو الدين الصحيح [بنظر أصحابه طبعاً] يُبطل ويلغي كل الإسلامات الأخرى، ولا يمكن هو نفسه أن يُلغى أو يُبطَل ([71])، ولذا فإن "" إدخال البعد التاريخي في التحليل سوف يضطرنا إلى التفريق بين الإسلام المثالي هذا، وبين الإسلام التاريخي "" ([72]).

وهكذا فإن أركون يعتبر الإسلام الذي فهمته الأمة عبر تاريخها وتقبله الناس، وآمن به السواد الأعظم من البشر إسلاماً مثالياً خيالياً يختلف عن الإسلام الحقيقي [وليس هناك إسلام حقيقي في المنظور العلماني عموماً] ولذا فإن أركون يأخذ على عاتقه أن يكشف عن الإسلام بمفهوميه: الإسلام المعاش،وهو غير مطابق وغير صحيح، والإسلام غير المعاش وغير المفهوم وهو الخاضع للتحليل ([73]) [الأركوني طبعاً].

ومن الإسلامات العلمانية الأخرى: الإسلام الشعبي ([74]) الذي يقوم على الثقافة غير العالمة ([75])، لأنه إسلام جمهور المسلمين وعامتهم ([76])، وهذا النوع من الإسلام لا يتفق مع الإسلام المحمدي – بنظر الخطاب العلماني - إلا في الاسم، لأن لكل شعب مسلم عاداته وتقاليده وإسلامه الخاص ([77])، وفيه مظاهر وثنية ([78]).

والإسلام النظري وهو النسق الفكري المتشعب والمتشظي الذي أنجزه جمع من المفكرين، ويستمد إمكاناته من الوضعية الاجتماعية المشخصة " الواقع "، وتشخص في بعض المنظومات المهمة مثل الاجتهاد والتأويل والقياس والتفسير والإجماع ([79]).

والإسلام الشخصي الفردي، ويسميه أركون الإسلام الثالث أو الفردي ([80])، وهو قائم على الضمير الشخصي الحر، والممارسة الشخصية للإسلام ([81]). وتجلى في الممارسات الصوفية التي أفصحت عن نفسها في الطموح إلى العيش في علاقة مع الله [عز وجل] على نحو يلبي الحاجات الروحية المطلقة، وقد حاول الإجماع الذي هو في حقيقة الأمر إجماع فقهي نخبوي أن يحد من هذه الحرية الفردية ([82]).

والإسلام الإتني ([83]) وهو- كما يبدو لي - إسلام الشعوب المختلفة غير العربية الذي امتزج بعناصر من حضاراتها السابقة وعاداتها المختلفة ([84])، وهو ما يعبر عنه آخرون بإضافة الإسلام إلى بلدانه، أو مذاهبه المختلفة لتكريس التجزئة، فيقال مثلاً: الإسلام الأندونيسي، والإسلام الباكستاني والإسلام العربي أو الإيراني والإسلام العراقي أو الشامي ([85]). والإسلام السني أو الشيعي ([86]). والإسلام الأشعري الرجعي المسيطر، بينما الإسلام الاعتزالي التقدمي مهمش ([87]). والإسلام التقدمي بنظر جاك بيرك هو الغاية والمطلب لأنه إسلام الديمومة ([88])، ومعيار ذلك أن يتخلى الإسلام عن مفاهيمه وتصوراته ومبادئه، ويعتنق الرؤية الغربية لكي يصبح إسلاماً تقدمياً، فالشرط الجوهري للتقدم هو الإسلام أو الاستسلام، ولكن ليس لله عز وجل وإنما للغرب المهمين، أو النظام العالمي - أقصد الأمريكي- الجديد، للقطب الواحد ([89]).

رابعاً - التورخة النسبية:

لقد قُطِّع الإسلام- كما رأينا- في دوامة المجزرة العلمانية إلى إسلامات كثيرة، ولا بد هنا من السؤال: هل يطرح العلمانيون مفهوماً جديداً للإسلام يضاف إلى الإسلامات التي رأيناها؟ أم يرتضون مفهوماً من بين تلك المفاهيم؟ أم أن هناك خياراً آخر؟

إذا كان الإسلام بنظر أحد الباحثين فكرة مجردة ([90])، وإذا كان الإسلام جاء وذهب بنظر باحث آخر ([91])، ولا يمكن إعادته في بكارته النبوية الأولى عقيدة وتشريعاً وفقهاً ([92]). وكان في أساسه قاصراً على الأخلاق والقيم، ولم يكن فيه أي نظام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي ([93])، وكان رخواً مرناً جداً في التعامل مع الشعوب المفتوحة، فلم يطلب أكثر من إعلان الشهادة فقط، وليمارسوا عاداتهم ومعتقداتهم كما يريدون ([94]) فإن هذا يتيح لنا – أقصد للخطاب العلماني – أن نبحث عن إسلامٍ عصري مستنير مساير لروح العصر ([95]) فالإسلام لا يكون صحيحاً إلا إذا طرح بالمفهوم البرغسوني وذلك بجعله ديناً منفتحاً ([96])، والتخلص من الفهم الحرفي للدين ([97])، ولن يتم ذلك إلا إذا تمت إعادة النظر في الإسلام كلية من منظور تاريخي بحيث يصبح من الضروري أن نوفق بين الإسلام والفكر اللاديني

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير