تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- أما الحج كذلك فهو من الطقوس الوثنية الميثية العربية القديمة التي أقرها الإسلام مراعاة لحال العرب ([145]) وما هو إلا تعبير عن الحنين إلى أسطورة العود الأبدي ([146])، وإعادة إحياء لتلك التجربة الجنسية الدينية المقدسة التي تمت بين آدم وحواء، والحج العربي العاري في الجاهلية يؤكد المشاركة في الجنس بين الألوهية والبشر ([147]). كما أن تحويل القبلة والحج تعبير عن الرغبة في تعريب الإسلام وتأكيد عروبيته ([148]). وليس من الضروري أن يقام بطقوسه المعروفة إذ يغني عنه الحج العقلي أو الحج الروحي ([149]).

وهكذا تُميَّع كل الشعائر الإسلامية وتعتبر طقوساً وثنية تحدرت إلى القرآن من البيئات والأمم السابقة والجاهلية ([150])، وقد مارس الفقهاء دورهم في تقنينها ([151]) بعكس الرسالة التي تميزت في هذا الشأن بمرونة ولكن الفقهاء ألغو هذه المرونة ([152]). إن تحقيق الإسلام لمهمته الروحية قد يحصل دون أن تؤدى الطقوس والشعائر بالضرورة ([153]) فقد أصبحت المساجد أوكار الإرهاب ([154])، وبرزت معالم التخلف ومظاهره في تنامي التدين الشخصي كما هو واضح في صفوف المصلين، والحجاب واللحى ([155]).

إن علامات الاستسلام تتجلى في ممارسة الشخص للصلاة والزكاة وهما عملان يقدمهما القرآن على أساس أنهما محض دينيين، ولكن لا يغيب عن أنظارنا أن لهما وظيفة حاسمة من حيث الدمج الاجتماعي والسياسي للفرد، ولهما وظيفة في كسر العصبيات والتضامنات التقليدية ([156])، ونحن اليوم مدعوون لإعادة النظر في الفرائض والعبادات وسؤال أهل الخبرة والاختصاص عن فوائد الصيام وأضراره اقتصادياً وصحياً ([157]).

وهكذا يُطمس الإسلام الرباني الذي أُرسل به محمد صلى الله عليه وسلم، ويبرز الإسلام العلماني المخترع بأركانه الجديدة العصرية المفتوحة، والقابلة لكل الأفهام والتأويلات، والتي لم تتوقف عند هذا الحد، لأنه لا حدود يمكن الوقوف عندها في الخطاب العلماني.

ثانياً: الإيمان العلماني الجديد:

والإيمان أيضاً ليس هو الإيمان المحمدي الذي يقوم على ستة أركان " الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره " وإنما "" هناك تغيُّر جذري في المفهوم الإيماني نفسه، وفي وسائل تحققه اليقينية، ليست القضية الآن في السجود لصنم أو اتخاذ أرباب أو ممارسة علاقات فلكية أو أبراجية معينة … المشكلة الإيمانية الآن في توجه الإنسان كلياُ نحو الاتحاد بالطبيعة عبر منهجية العلم بديلاً عن التوجه إلى الله كونياً عبر منهجية الخلق … فالإيمان في عصرنا يعني الانتقال إلى إدراك عميق لمنهجية الخلق والتكوين كما يوضحها الله في القرآن، وهي مرحلة إيمانية لم يصلها من قبل إلا من الذين اصطفاهم الله "" ([158]).

وأصبحت الحداثة تفرق بين إيمان جديد وإيمان تقليدي فالإيمان الحديث "" يقبل إعادة النظر حتى في الأصول الأولى من أجل انتهاكها وإعادتها إلى المشروطيات المشتركة للجدلية الاجتماعية، وهو ما ندعوه بأرخنة الأصول الأولى للأديان التوحيدية، أي الكشف عن تاريخيتها المحجوبة أو المغطاة بستار كثيف من التقديس والتعالي "" ([159]).

إن الإيمان بالمعنى الحديث يقبل حتى فكرة موت الله وغياب الله عن العالم، وإن كانت هذه الفكرة تصدم الشرائح الكبيرة المؤمنة بالمعنى التقليدي ([160]). وبناءً على هذا المفهوم الجديد للإيمان الأركوني فإن كل الذين اعتُبروا ملحدين في التاريخ الإسلامي أو الغربي يمكن اعتبارهم مؤمنين لأنهم لهم إيمانهم الخاص، وهم لا يمكن أن يخرجوا عن الإسلام وإنما عن فهم ضيق قسري له، وقد كانت لهم طقوسهم وشعائرهم الخاصة ([161]).

ومن هنا يكفي أن يتحقق في الإيمان المعاصر عند طائفة من العلمانيين ركنان فقط هما الإيمان بالله واليوم الآخر ([162])، وعند آخرين " الإيمان بالله والاستقامة ([163])، والقصد من ذلك هو إدخال النصارى واليهود في مفهوم الإيمان والإسلام، واعتبارهم ناجين يوم القيامة، ويُستدل لذلك بقوله تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (([164]) ([165]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير