تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعند طائفة ثالثة يُفتح المجال للكونفوشيوسية، والبوذية وكل الأديان الوضعية للدخول في سفينة النجاة العلمانية ([166])، لأنه يعسر على المؤمن في عالم اليوم أن يهمل التحديات التي تمثلها الأديان الأخرى المخالفة لدينه الموروث، فليس من الحكمة الإلهية أن أحكم أنا المسلم على ثلاثة أرباع البشرية من معاصري غير المسلمين بالذهاب إلى الجحيم، وبالتالي أليست الحقيقة التي أؤمن بها نسبية؟! ([167]).

وهكذا بالتوازي مع تغير مفهوم الإيمان يتغير معه مفهوم الإلحاد أو الشرك فكما أصبح الإلحاد عند نيتشة وماركس وفيورباخ نظرية للتحرير ([168]) يصبح كذلك عند المفكرين العرب "" الإلحاد هو التجديد لأنه يطابق الواقع ووعي بالحاضر ودرء للأخطار ومرونة في الفكر … إن الإلحاد هو المعنى الأصلي للإيمان لا المعنى المضاد، والإيمان هو المعنى الذي توارده العرف حتى أصبح بعيداً للغاية عن المعنى الأصلي، إن لم يكن فقداً له … لأن الإيمان تغطية وتعمية عن شيءٍ آخر مخالف لمضمون الإيمان، والإلحاد هو كشف القناع وفضح النفاق "" ([169]). والشرك بالله عز وجل لم يعد هو التوجه بالعبادة إلى غير الله عز وجل، وإنما أصبح يعني الثبات في هذا الكون المتحرك، وعدم التطور بما يتناسب مع الشروط الموضوعية المتطورة دائماً، فالتخلف شرك والتقدم توحيد ([170]).

إن التوحيد هو توحيد الأمة والفكر وليس توحيد الآلهة} أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ {([171]) ([172]).

ولكن لا يجب أن نفهم أن الله عز وجل في الإيمان الجديد هو الله الذي يؤمن به المسلمون والموصوف في القرآن الكريم بكل صفات الكمال وإنما الله يعني الإنسان، وصفاته جميعها حتى صفة الوجود تعني الوجود الإنساني ([173]). الله الجديد [سبحانه وتعالى] هو: الدافع الحيوي، التقدم، الحرية، الطبيعة، الخبز، الحب ([174]) أو هو الأمل بالعدالة والحرية والمساواة ([175]).

كذلك لا يجب أن نفهم أن اليوم الآخر في الدين العلماني الجديد هو نفسه الذي تؤمن به الأمة فإن الغيبيات عموماً كالعرش والكرسي والملائكة والجن والشياطين والصراط والسجلات وغير ذلك ليست إلا تصورات أسطورية ([176]). وإن فكرة اليوم الآخر في أساسها نشأت في منظور بعض العلمانيين مع عبادة الشمس لدى المصريين، ونشأت فكرة الخلود مع الدين الرسمي أو دين الدولة ([177]) أي أن العالم الآخر أسطورة ولدها الكهنة ليسيطروا على الناس ويحكموهم ([178]).

والكتب المقدسة بما فيها القرآن تنكر العالم الغيبي لأن الغيب في القرآن هو المستقبل فهو الوحيد الغائب، وأصبح من الممكن أن يُوصَل إليه بقليل من المنطق والحساب ([179]). إن عالم الغيب الجديد لم يعد رهناً بما يقوله الكهنة، ولم يعد خارجاً عن سنن الطبيعة، وصار قابلاً للتفسير العلمي ([180]). إن البعث ليس في السماء، إنه في المستقبل على الأرض، ولا يحتاج إلى دليل مشاهد ملموس، إن الدين لا يتحدث عن الموتى ولا يُكلم الناس الحاضرين عن عالم غير حاضر ([181]).

البعث الذي يريده القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ليس هو البعث بعد الموت، وإنما هو البعث من عالم الطفولة والتخلف إلى عالم التقدم والوعي، البعث من الحياة الغريزية الطفولية الغائبة في ظلام الوعي إلى عالم العقل الحاضر في ضوء الصحوة واليقين. إن العرب أساءوا الفهم فحولوا الجدال إلى عالم الأموات، وتحدوا الرسول لكي يحيي أمامهم رجلاً ميتاً، ولو كان الرسول r يريد من العرب أن يؤمنوا بالبعث بعد الموت فقط لقبل هذا التحدي وسكت، لكن الرسول كان يدعو العرب إلى الإيمان بالبعث في هذه الحياة، بإعادة الوعي إلى جيل غائب عن عالم الوعي ([182]).

إن المرء لكي يكون مسلماً لا يحتاج إلى الإيمان بالجن والملائكة، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ([183]). ولا يحتاج للفرائض الشعائرية أو القبول الساذج للحياة الآخرة ([184]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير