تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

· والإسلام الشائع اليوم هو الإسلام السني الأرثوذكسي وهو ليس بالضرورة أن يكون الإسلام الحقيقي لأنه لا يوجد أصلاً إسلام حقيقي، وهو ليس إلا تنظيراً دوغمائياً جاء نتيجة سلسلة من الأعمال المنجزة تاريخياً، وليس لأن الله عز وجل تكفل بحفظه واستمراره واكتماله وظهوره.

· ولأن الإسلام لا يفلت من قواعد اللعبة التاريخية فقد جاء تلبية لحاجات الزمان والمكان والإنسان في الجزيرة العربية، وذلك حين تهيأت مكة لقبول فكرة التوحيد نتيجة لهدير الواقع، وحتمية الظروف.

· وهكذا لعبت الظروف فيما بعد بالإسلام، وجرفته التاريخية عبر حرتقاتها الاجتماعية والتطورية فمزقته شر ممزق إلى نتف عديدة فظهر الإسلام الرسمي الأرثوذكسي، والإسلام الكلاسيكي، والإسلام الأقنومي، والإسلام الشعبوي، والإسلام النظري، والإسلام الشخصي، والإسلام الإتني، والإسلام العراقي والمصري والشامي والباكستاني والشيعي والأشعري والمعتزلي وما إلى ذلك من إسلامات ضاع في ثناياها الإسلام الصافي الأول.

· وما دام قد حصل ما حصل من تمزق الإسلام فهذا يعني بالنسبة للخطاب العلماني قابلية الإسلام لأن يعني دون حواجز، وقابليته للانفتاح دون ضوابط، وبالتالي ضياع الحدود والمفاهيم واختلاطها، وعندئذ يصبح الإيمان والإلحاد والحق والباطل معاني فضفاضة تخرج من إطار التناقض والتضاد لتدخل في حيز التماهي، وبذلك لا يبقى معنى لوجود إسلام حقيقي جوهري نموذجي لأن الإسلام يصبح ما طُبِّق في التاريخ، وهو جوهر القراءة العلمانية الذي يتلخص في أن لا نسلم بالمسلَّم به.

· هذا الانفتاح العلماني في فهم الإسلام وتحريفه يتقبل حتى فكرة الاجتثاث المطلق للمنظومة السلفية، والوسيلة المجدية لذلك هي هدم الأصل بالأصل ذاته، واختراق المحرمات وانتهاك الممنوعات، وخلخلة المعتقدات، وطرد الماضي من ثقافتنا وكنسه من أدمغتنا لنبدأ الشروع في البناء من جديد.

· والبناء الجديد من الضروري أن يلبي حاجة كل الناس على اختلاف مشاربهم، المؤمنين منهم والملحدين، المستقيمين والمنحرفين، الأسوياء والشذاذ على حد سواء، وكل ذلك تحت مبدأ النسبية المطلقة، ومبدأ " كل شيء يجوز "، وإذا كان في الناس من يظل متطلعاً إلى التدين، ومتوهماً الحاجة إلى الروحانيات فليكن ذلك ولا بد من الاستجابة لمطالبه وذلك باختراع أسسس جديدة للإسلام والإيمان تكون أكثر انفتاحاً وتواؤماً مع العقلانيات الحداثية، وطرح مفاهيم عصرية للعبادة والطقوس والشعائر تكون مرنة بلا حدود، ومعقلنة بلا سدود غيبية أو ميتافيزيقية.

هكذا تكلم العلمانيون ... وهذه باختصار خلاصة القراءة العلمانية للإسلام فهل نحن بحاجة إلى نقد هذا الموقف العلماني؟

أنا في الحقيقة أتبنى هنا موقف القاضي عبد الجبار ([267]) حين قرر أنه في كثير من الأحيان يغني عرض المذهب عن الرد عليه، وذلك لوضوح فساده وتناقضه إذا ما عُرض على الأسس والقواعد المعلومة من الدين بالضرورة. وخصوصاً إذا حاكمنا الموقف العلماني من خلال المآل الذي خلُص إليه في تزوير الصورة الجوهرية للإسلام، ومن خلال التركيبة المنهجية الملفقة والمناقضة في ذات الوقت لمقاصد الإسلام ومراميه.

إن الخطاب العلماني يدرك جيداً أن الأمة الإسلامية والعربية تنتمي إلى حضارة المقدس والإيمان بالمطلق، وأن أي محاولة للتجديد أو للنهوض محكوم عليها بالفشل إذا لم تنطلق من خلال هذين المحورين: الإيمان، والمقدس، إلا أن الصراع كان قد احتدم طوال القرنين الماضيين في بلادنا بين العلمانية الغازية التي تنتمي إلى حضارة المدنس والنسبية والمادية وبين حضارتنا وثقافتنا المتشبثة بمقدساتها ومرتكزاتها، ولأن الخطاب العلماني العربي قد تشبع بالحضارة المادية الغازية وشربها حتى الثمالة وهو في ذات الوقت يرغب أن يمسك بزمام المبادرة النهضوية أسوة بالنهضويين الغربيين ولكن هنا واجهته حضارة قدسية متقاطعة جداً مع المادية النسبية والعدمية، ولذلك فقد وقع في مأزق التصادم بين الانتماء الفكري والثقافي من جهة والانتماء الوطني والقومي من جهة أخرى، ولكي يتخلص الخطاب العلماني من هذا المأزق لجأ إلى محاولة التوفيق بين الثقافة التي استلبته، وبين الحضارة التي أنجبته، وكانت مقدسات هذه الحضارة وعلى رأسها الإسلام هي محور دراساته في العقود المنصرمة، إلا أن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير