تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"" فهي ليست رسالة ثانية ([61]) كما ادعى بعضهم، وإنما عالمية ثانية تأخذ محتواها الجديد لا من تطبيقات سلفية ومفهوم سلفي، ولكن من تجريد منهجي قرآني يهيمن على معاني التطبيق في المرحلة السابقة "" ([62]). لأن هذا التجريد المنهجي يعلو على كل الخصائص المحلية، والتجربة النبوية تأتي في إطار المراعاة الكاملة لخصائص المرحلة الموضوعية تاريخياً واجتماعياً وفكرياً، لأنه ما من مرحلة تستطيع أن تحتوي تطبيقياً وبالوعي الكامل المنهج الإلهي، فإن المنهج يرقى على النبوة لأن القرآن محتوى هذا المنهج ([63]).

ولكن ما هو هذا المنهج؟

إنه بنظر حاج حمد "" الناظم المقنن لإنتاج الأفكار ذات النسق الواحد "" أو "" خروج العقل من حالة التوليد الذاتي للمفاهيم إلى اكتشاف النسق المرجعي "" ([64]). هذا هو المنهج الحاج حمدي بشكل عا [2] م أما المنهج القرآني الحاج حمدي فهو تركيبة تتكون من "" المعنى القرآني + المنهج + الخصائص العالمية "" ([65]).

ومن هنا نتبين – بنظر الخطاب العلماني - نسبية التشريع المنزل تبعاً للحالات التاريخية والأوضاع الاجتماعية المختلفة، فعقوبات مثل القطع والرجم كانت سارية المفعول في ذلك العصر التاريخي بسبب ملاءمتها للأحوال الاجتماعية آنذاك ([66])، حيث المجتمعات بدوية بدائية متنقلة فلا توجد سجون ولا جدران وإنما خيام، فكيف يسجن السارق؟ وكيف تحفظ الأموال؟ لا بد من عقوبة تميز السارق وتجعل الناس يحذرون منه أما اليوم فقد تغير الحال ([67]).

وما دام القرآن يوضح لنا نسبية التشريع في علاقته مع بيئته التاريخية الحاملة له بقوله: "") لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (([68]) فإن الثابت إذن هو مبدأ العقوبة أو الجزاء، أما الأشكال التطبيقية لهذا المبدأ فموكولة إلى كل عصر حسب أوضاعه وأعرافه وقيمه، وبذلك تظل التشريعات تفاصيل تطبيقية مشدودة إلى كلية المنهج ([69]). وبهذا يستوعب القرآن متغيرات العصور، ويبقى كما أراد الله صالحاً لكل زمان ومكان ([70]).

هذا المنهج الحاج حمدي يختلف مع منهج العشماوي في الوسائل والمقدمات ولكنهما يؤولان إلى نفس المآل إذ "" الإسلام يُعنى بالإنسان ولا يهتم بالنظم والنظريات "" ([71]) "" وإن ما تفردت به الشريعة حقيقة ليس الأحكام التي نصت عليها، ولا القواعد التي استخلصت من هذه الأحكام، وإنما المنهج الحركي القادر على التجديد الدائم والملاءمة المستمرة "" ([72]). وإن الذي أفسد المسلمين هو استبدالهم للقواعد والنصوص والأحكام بالمنهج والروح، فتركوا الأصل واستبدلوه بالفرع ([73]).

والمنهج هو الشريعة، والشريعة هي المنهج، لأن معنى الشريعة في القرآن هو المنهج والمدخل والسبيل، وليست الشريعة القواعد والأحكام التفصيلية ([74])، ذلك لأن المنهج قادر على الحركة الدائمة مع الواقع أما الأحكام التفصيلية فهي نسبية مرتبطة بظروفها ([75])، ولذلك يخطئ الكثيرون عندما يظنون أن تطبيق الشريعة يعني تطبيق أحكامها وتفاصيلها، والحق أنه تطبيق روحها ([76])، وروحها هو المنهج الذي يتقدم باستمرار ([77])، أما تفاصيل المعاملات وغيرها فليست هي الشريعة، وإنما هي أحكام الشريعة ([78]).

إن تطبيق الشريعة يعني إعمال الرحمة في كل شيء ([79])، لأن القرآن يقوم على منهج الرحمة أو التجديد والمعاصرة ([80])، ومن هنا ما دامت الرحمة هي المنهج، والمنهج هو الرحمة، فإن القانون المصري بكل فروعه المدنية والتجارية الآن موافق لشريعة الإيمان وروح القرآن ([81]). ونظام الربا في الإسلام يؤكد ذلك فقد تغير الحال ولم يعد الأمر كما كان استغلالاً لحاجة المدين يؤدي إلى إعساره وإفلاسه ([82])، ولم يعد ثمة نظام للربا وإنما نظام لحساب الفوائد على الديون في مجتمع يقوم فيه المشرع بدور الرقابة على المعاملات، ويحدد الفائدة بحيث لا تغني الدائن ولا تستغل المدين ([83]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير