ونظام الحدود في الإسلام يؤكد ذلك أيضاً فالشروط التي وضعها الفقهاء لإدانة السارق أو الزاني وإقامة الحد عليه يصعب أن تتحقق ([84])، كما أن تطبيق حد الرجم يبدو أنه من خصوصيات الرسول الله r ( [85]) ، وأيضاً فإن هذه العقوبات لا تتفق مع روح الإسلام وأحكامه، لأنها تقرنه بالعنف والتشدد والقسوة أمام الرأي العام العالمي ([86])، ولذلك فتطبيق هذه العقوبات باسم القرآن خيانة له ([87])، وأقوم الطرق أن نبحث عن الجوهر ([88])، إذ لا يجب التمسك بحرفية النصوص وإنما بروحها ومغزاها ومقاصدها، وهو ما يكفل لنا الحفاظ على مصداقية الإسلام ([89]) وصلاحه لكل زمان ومكان، ووفائه لمقتضيات الضمير الحديث ([90])، والوجدان الحديث ([91])، دون خوف من معارضة المسلمات بدعوى أنها من المعلوم من الدين بالضرورة، ما دام الوفاء لجوهر الرسالة المحمدية قائماً ([92])، وما دام "" التشبع بروح الإسلام "" حاصلاً ([93]).
خامساً- توظيف أفعال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: في مثل السياق الذي تحدثنا فيه " المقاصد – المصلحة – المنهج " يوظف العلمانيون اجتهادات سيدنا عمر رضي الله عنه للقول بأن المقاصد أو المصالح هي الحاكمة على النص القرآني، وأن النص يدور معها وجوداً وعدماً، أو يُوقف أو يُعطّل إذا حصل تعارض بينهما، وأن الاجتهادات الجريئة التي صدرت من عمر في القضايا المستجدة أبلغ دليل على ذلك، مثل إيقافه لحد السرقة عام الرمادة، وإيقافه لسهم المؤلفة قلوبهم، وإمضائه الطلاق الثلاث في مجلس واحد ثلاثاً. ونشير هنا إلى بعض ما يقوله الخطاب العلماني في ذلك:
- لقد فعل عمر ذلك عملاً بنور العقل المنهجي ([94]).
- عمر ألغى بعض الفرائض، وأوقف بعض الأحكام ([95]).
- ألغى عمر حصة المؤلفة قلوبهم اتباعاً لمقاصد الشرع ([96]).
- عمر أوقف العمل بنصوص ثابتة ([97]).
- يمكن للاجتهاد المطلق أن يخصص العام، ويقيد مطلقه، وأن يوقف العمل بنصوص ثابتة، وقد فعل عمر ذلك ([98]).
- لقد أبطل عمر القطع عام المجاعة، وقطع سهم المؤلفة قلوبهم، وأبطل قول المؤذن الصلاة خير من النوم ([99]).
- ألغى عمر حد السرقة، وسهم المؤلفة قلوبهم ([100]).
- حَكَم عمر بما لا يطابق النص القرآني ([101]).
- أصبح عمر أكثر مرونة في التعامل مع النصوص ([102]).
- لقد أوقف عمر بن الخطاب حد السرقة، وسهم المؤلفة قلوبهم ([103]).
- وعمر لم ينصع للآيات في سهم المؤلفة قلوبهم، وحد السرقة ([104]).
- عمر أبطل مفعول آيتين من القرآن، وهو موقف مستنير ([105]).
- خرج عمر إلى المسلمين بتأويل في قضية الزواج بالكتابيات وأحله محل التشريع ([106]).
- لقد غير عمر شرائع ثابتة في القرآن والسنة مثل حد الخمر وحد السرقة وسهم المؤلفة قلوبهم ([107]).
- - الخطاب الديني يتجاهل مقاصد الشريعة كما جاءت في أفعال عمر بن الخطاب عندما ألغى حد السرقة وسهم المؤلفة قلوبهم وهي ثابتة بالنص ([108]).
- أوقف عمر حد السرقة عام المجاعة، وسهم المؤلفة قلوبهم مع أن النصوص ثابتة لم تنسخ ([109]).
المبحث الثاني
مراجعة ونقد
التعميم، التلفيق، المغالطة، المجازفة والارتجال ([110]) ممارسات تغلب على الخطاب العلماني، ولا يكف عن تعاطيها في أكثر الأحوال، والمفاهيم التي نحن بصددها من أبرز الأمثلة على ذلك.
أولاً - المقاصد:
1 – الشاطبي والأصوليون قبله:
هل كان الشاطبي مُبدعاً في قضية المقاصد؟ وهل كان متفرداً في ذلك؟
إن قول الجابري بأن ما جاء به الشاطبي كان جديداً كل الجدة – كما سبق ورأينا – نوع من المجازفة والارتجال، لأن الشاطبي –لاشك – كان له إضافات مهمة في علم المقاصد ولكنه كان يبني على أسس وقواعد أسّسها وقعّدها السلف والأصوليون والعلماء قبله، وهو ما يعتز به الشاطبي نفسه لأن هذا يعني بنظره أنه متبع وليس مبتدعاً، ولذلك فإنه يرى أن ما جاء به "" أمر قررته الآيات والأخبار، وشد معاقله السلف الأخيار، ورسم معالمه العلماء الأحبار، وشيّد أركانه أنظار النظار "" ([111]).
¥