تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويأتي في طليعة هؤلاء أصحاب رسول الله r "" الذين عرفوا مقاصد الشريعة فحصلوها وأسسوا قواعدها وأصَّلُوها "" ([112])، ثم الأصوليون كالجويني والغزالي اللذَين قسما المصالح إلى خمس ضرورية: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال ([113]). ويبدو الغزالي من أكثر الأصوليين الذين يذكرهم الشاطبي في كتابه الموافقات ([114])، فقد ذكره أكثر من أربعين مرة في أغلبها موافقاً ومؤيداً ومستدلاً بآرائه، ومحيلاً إلى كتبه ([115]). كما استفاد كثيراً من الرازي والعز بن عبد السلام والقرافي ([116]).

ولا بد أيضاً من الإشارة هنا إلى أن علم مقاصد الشريعة كان مستعملاً قبل الشاطبي بحقب طويلة ([117]) لفظاً ومضموناً عند الحكيم الترمذي " أبو عبد الله محمد بن علي، " والماتريدي ت: 333 هـ وأبو بكر القفال الشاشي " القفال الكبير " ت: 365 هـ وأبو بكر الأبهري ت: 375هـ والباقلاني ت: 403 هـ والجويني، ت: 478 هـ، والغزالي ت: 505 هـ والرازي ت: 606 هـ والآمدي ت: 631هـ وابن الحاجب ت: 646 هـ والبيضاوي ت: 685هـ والإسنوي ت: 772هـ وابن السبكي ت: 771 هـ وعز الدين بن عبد السلام ت: 660هـ وابن تيمية ت: 728 هـ ([118]).

والإمام الجويني هو صاحب الفضل والسبق في التقسيم الثلاثي لمقاصد الشارع إلى ضروريات وحاجيات وتحسينيات كما أنه من ذوي السبق في الإشارة إلى الضروريات الكبرى في الشريعة ([119]). وقد كشف الباحثون عن أوجه الإبداع والاتباع في نظرية المقاصد الشاطبية بما فيه كفاية فلا نطيل هنا ([120]).

2 – الشاطبي والشافعي:

ولكن السؤال: هل أحدث الشاطبي كما يزعم العلمانيون "" قطيعة إبيستمولوجية حقيقية مع طريقة الشافعي والأصوليين الذين جاؤو من بعده ""؟ ([121]).

في الواقع إن "" الشاطبي لا يقوم ولا يقعد ولا يقدم ولا يؤخر إلا بأمثال الجويني والغزالي وابن العربي وابن عبد السلام والقرافي "" ([122])، وكل العلماء الأصوليين والسلف الصالح كما ذكر الشاطبي نفسه ([123])، فإذا كان الشافعي قال: "" ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها "" ([124]). وقال بأن استنباط الأدلة يكون إما بنص قرآني أو سنة نبوية أو ما فرض الله على خلقه من الاجتهاد وفي طلبه ([125])، فإن الشاطبي يقول: إن القرآن فيه بيان كل شيء من أمور الدين "" والعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة، ولا يعوزه منها شيء "" ([126]) "" وعلى هذا لا بد في كل مسألة يراد تحصيل علمها على أكمل الوجوه أن يُلتفت إلى أصلها في القرآن "" ([127]).

وقال: "" وأيضاً فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات "" ([128])، وقال مستشهداً بقول ابن حزم: "" كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة نعلمه والحمد لله .. "" ([129]).

وظل الشاطبي يلح ويؤكد دائماً على أن العقل تابع للنقل بعكس ما يريد العلمانيون، أو بعكس ما يتجاهلون فيقول: "" إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعاً، ويتأخر العقل فيكون تابعاً، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل "" ([130]). "" والعقل إنما ينظر من وراء الشرع "" ([131]) ويقول في الاعتصام: "" فالعقل غير مستقلٍ ألبتة، ولا ينبني على غير أصل، وإنما ينبني على أصل متقدم مسلم على الإطلاق … ولا أصل مسلم إلا من طريق الوحي "" ([132]) "" لأن العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة "" ([133]). ويضيف الشاطبي "" وإذا ثبت هذا وأن الأمر دائر بين الشرع والهوى تزلزلت قاعدة حكم العقل المجرد فكأن ليس للعقل في هذا الميدان مجال إلا من تحت نظر الهوى فهو إذاً اتباع للهوى بعينه في تشريع الاحكام "" ([134])

3 – الشاطبي والأزمة البيانية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير