3 - الأمر بالفعل يستلزم قصد الشارع إلى وقوع ذلك الفعل، والنهي يستلزم القصد إلى منع وقوع المنهي عنه ([162]).
4 - الدلالة الصريحة الواضحة التي لا تحتمل وجهاً آخر في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون (([163]) وقوله:) وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (([164]) وقوله:) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (([165]).
5 - السنة المتواترة ويظهر ذلك جلياً في حالتين:
- التواتر المعنوي الحاصل من مشاهدة عموم الصحابة لعمل النبي r فحصل لهم بذلك علم بتشريع ذلك وإليه يرجع قسم المعلوم من الدين بالضرورة.
- تواتر عملي يحصل لآحاد الصحابة من تكرار مشاهدة أعمال رسول الله r ([166]) .
6 - علل الأحكام تدل على قصد الشارع فيها فحيثما وجدت اتُّبعت ([167]).
7 - كل أصلٍ ملائم لتصرفات الشارع، وكان معناه مأخوذاً من مجموعة أدلة حتى بلغ درجة القطع يبنى عليه ويُرجع إليه ولو لم يشهد له نص معين ([168]).
8 - إذا سكت الشارع عن أمر مع وجود داعي الكلام فيه دل سكوته على قصده إلى الوقوف عند حد ما شرع ([169]).
9 - الاستقراء من خلال مجموع أدلة الشريعة كتاباً وسنة، وهو يفيد القطع لأن كليات الشريعة لا تستند إلى دليل واحد بل إلى مجموعة أدلة تواردت على معنى واحد فأعطته صفة القطع، وتخلُّفُ بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كلياً ([170]). وقد اعتبر ابن عاشور الاستقراء المسلك الأول من مسالك إثبات المقاصد ([171]). وهذا طريق مهم لمعرفة المقصد ولضبطه أيضاً، فإن الكتاب يجب أن يشهد لبعضه، ويجب أن يوافقك القرآن كله على بعضه، وبعضه على كله.
وفي ذلك أبلغ رد على الخطاب العلماني الذي يريد منا - كما قرأنا - أن نتخلى عن جزئيات الشريعة وتفاصيلها ودقائقها حفاظاً على روحها أو مغزاها أو مقاصدها أو جوهرها كما يقولون فإن الأجزاء مرتبطة بالكل والكل يشهد للأجزاء وهو ما يوضحه الشاطبي أجلى توضيح بقوله: "" كما أنه إذا ثبت في الشريعة قاعدة كلية في الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات فلا ترفعها آحاد الجزئيات كذلك نقول: إذا ثبت في الشريعة قاعدة كلية في هذه الثلاثة أو في آحادها فلا بد من المحافظة عليها بالنسبة إلى ما يقوم به الكلي، وذلك الجزئيات، فالجزئيات مقصودة معتبرة في إقامة الكلي أن لا يتخلف الكلي فتتخلف مصلحته المقصودة بالتشريع … فلا بد من صحة القصد إلى حصول الجزئيات، وليس البعض في ذلك أولى من البعض، فانحتم القصد إلى الجميع وهو المطلوب "" ([172]). "" لا بد من اعتبار خصوص الجزئيات مع اعتبار كلياتها وبالعكس وهو منتهى نظر المجتهدين بإطلاق وإليه ينتهي طلقهم في مرامي الاجتهاد "" ([173])
ويؤكد ذلك مرة أخرى - وكأنه يخشى من العبث العلماني - حين يقول: "" فمن أخذ بنص مثلاً في جزئيٍّ معرضاً عن كلية فقد اخطأ، وكما أن من أخذ بالجزئي معرضاً عن كلية فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي معرضاً عن جزئيه … وهذا كله يؤكد لنا أن المطلوب المحافظة على قصد الشارع، لأن الكلي إنما ترجع حقيقته إلى ذلك، والجزئي كذلك أيضاً فلا بد من اعتبارهما في كل مسألة "" ([174]).
وبذلك يظهر أن المقاصد عند الشاطبي لضبط الاستدلال وليس لتمييعه، وأن اعتبار الكليات لا يجب أن يفضي إلى إهدار الجزئيات كما يرغب بذلك الخطاب العلماني، ولكأني بالشاطبي يخاطب العلمانيين عموماً والجابري تحديداً لأنه يريد توظيفه توظيفاً مغرضاً حين يعتبره مؤسساً لنظام العقل بدلاً من نظام الخطاب وذلك حين يقول: ""إن عامة المبتدعة قائلة بالتحسين والتقبيح فهو عمدتهم الأولى وقاعدتهم التي يبنون عليها الشرع فهو المقدم في نحلهم، بحيث لا يتهمون العقل وقد يتهمون الأدلة إذا لم توافقهم في الظاهر…وليس كل ما يقضي به العقل يكون حقاً"" ([175]).
¥