تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن هنا فإن الخطاب العلماني حين يتجاهل هذه القوانين والضوابط التي وضعها أهل المقاصد فإنه ليس من حقه أن يتكلم باسم المقاصد، لأن هذا لون من الهزلية أو المراوغة، إذ أن الذي ينضوي تحت شعار ليس من اختراعه عليه أن يلتزم بقوانين ذلك الشعار حتى يُعد من أهله، كما أن من انضم في معمعة من المعامع إلى أهل راية عليه أن يعرف إشاراتهم ومواضعاتهم وقوانينهم ونظامهم حتى لا يقتلونه.

لو راعى العلمانيون نظام المقاصد وقواعدها وقوانينها لما خرجوا بارتجالات عبثية ينسبونها إلى دين الله عز وجل وكمثال على ذلك: لو أن نصر حامد أبو زيد تعلم ضوابط المقاصد لما قال بتساوي المرأة مع الرجل في الميراث في هذا العصر انطلاقاً من المغزى فالمرأة على حد قوله كانت لا تعطى شيئاً في الجاهلية، ثم جاء الإسلام فأعطاها نصف الذكر وهو ما يفهم من ظاهر الآيات وهذا هو المعنى، أما المغزى فهو تعليم لنا وإشارة أن نعطيها في المستقبل مثل حظ الذكر ([176]).

لو قرأ ما قاله الشاطبي آنفاً من ""أن سكوت الشارع عن أمر مع وجود داعي الكلام يدل على قصده إلى الوقوف عند حد ما شرع "" ([177]) لما قال ما قال، ولوقف عند حدود الله سبحانه تعالى،لأن الشارع لم يترك أي قرينة أو إشارة أو دلالة تفيد المغزى الذي يزعمه، ولو علم محمد شحرور أن من مقاصد الشارع الأصلية حفظ الأعراض، وصيانة الأبضاع، ومن مقاصده التبعية التي تخدم تلك تَصوُّن المرأة وتسترها لما قال بأنه يجوز للمرأة أن تخرج عارية إلا من شريط يستر سوأتها ([178]). وكثير مثل هذا لدى إخوانهم.

ولذلك فإن توظيف المقاصد دون ضوابط أو معايير ما هو إلا وسيلة لهدم الشريعة، وإقصاء القرآن الكريم عن القيادة والمرجعية، وتبرير للحلول التي تمليها المناهج الحديثة، وتمرير للقيم التي تتطلبها المعقولية الحديثة ([179]). وهو ما يعبر عنه علي حرب بكل صراحة حين يقرر: "" فالقراءات المهمة للقرآن ليست هي التي تقول لنا ما أراد النص قوله، وإنما التي تكشف عما يسكت عنه النص أو يستبعده أو يتناساه "" ([180]). وأيضاً: "" القراءة الخلاقة هي التي تتجاوز المنصوص عليه والمنطوق به "" ([181]).

وبذلك يتبين لنا أن الشاطبي لم يحدث قطيعة أبيستمولوجية مع أصول الشافعي كما قال الجابري ([182]) وأيده باروت ([183]) بل هو يترسم خطاه ويبني على قواعده وأصوله، ويعتز باقتفاء أثره.

ثانياً - المصالح:

إذا كانت المقاصد التي يُنظر فيها أصلاً إلى مراد الشارع، ويُتحرى فيها رضاه سبحانه وتعالى أراد العلمانيون أن يجدوا من خلالها مدخلاً للتنصل من المرجعية القرآنية، فإن المصالح التي يُنظر فيها أصلاً إلى حال الإنسان وما يلائمه وما يصلحه أدعى لأن يبحث فيها هؤلاء الناس عن ذلك المدخل.

إن المشكلة ليست في ضرورة اعتبار المصلحة فالكل متفق على أن المصلحة هي مناط التشريع، ولكن المشكلة أي مصلحة نعني؟ ومتى نعد الشيء مصلحة، ومتى نعده مفسدة؟ ومتى نعده نفعاً، ومتى نعده ضرراً؟ ومتى نعده مصلحة راجحة، ومتى نعده مصلحة مرجوحة، ومتى نعده مصلحة حقيقية معتبرة، ومتى نعده مصلحة وهمية متروكة ([184]).

وما هو المعيار الذي يحكم المصالح؟ لأن ما يكون مصلحة لشخص قد يكون ضرراً لشخص آخر، وما يكون مصلحة لشخص في زمن قد يكون ضرراً له في زمن آخر؟

ثم المصالح منها ما هو ضروري ومنها ما هو تحسيني ومنها ما هو حاجي، وقد تتعارض أو تتداخل وقد يدق الفرق فتختلف التقديرات، فلا بد من وضع هذه الاعتبارات جميعاً في مراعاة المصلحة، حتى يمكن أن نحقق هذه المصلحة ([185]). ثم هل النص معيار المصلحة والحاكم عليها؟ أم المصلحة هي معيار النص والحاكمة عليه؟ وهل تتعارض المصلحة مع النص؟ وإذا تعارضت فما الحل؟

لقد زعم الطوفي أن المصلحة يمكن أن تتعارض مع النص في أمور ما سوى العبادات، وفي هذه الحالة يجب الأخذ بالمصلحة لأنها قطعية، وهي المقصودة من سياسة المكلفين ([186]). ولكن الطوفي "" لم يأت ولا بمثال واحد حقيقي يدل على التعارض الذي افترضه بين النص والمصلحة فبقي رأيه مجرد افتراض نظري "" ([187]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير