تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإسلامي الذي يمنع المرأة من الانزلاق في المنحدر المذكور، ويمنعها من أن تصبح مفتونة أو فاتنة بجسمها وأعضائها أو بلباسها وحليها، أو بأصباغها وعطورها، أو بمعاملاتها وعلاقاتها. إن اللباس الجدي الساتر المتعفف المعتدل المتواضع أصبح اليوم ضرورة لوقف انحدار المرأة، ومساعدتها على الرفع من قيمتها وهمتها، وعلى استعادة كرامتها وتوازنها وتلك هي المصلحة حقاً "" ([195]).

المثال الثالث: يرى بعض العلمانيين المتطرفين أن قطع يد السارق من العقوبات المتخلفة البدائية الهمجية التي لا تليق بهذا العصر المتحضر ([196])، ويلجأ آخرون إلى تحريف النص القرآني المتعلق بحد السرقة تحت مسمى التأويل ([197])، بينما يختار فريق ثالث أن القطع عقوبة مرتبطة بظروفها التاريخية، وأنه كان يحقق المصلحة في الظروف العربية البدوية حين نزل النص بسبب عدم وجود السجون، وعدم إمكانية وجودها في بيئة يعيش أهلها على الحل والترحال، أما اليوم فلم يبق له ما يسوغه بسبب تغير الحال والظروف، وتوفر السجون فلم يعد الحد " القطع " يحقق المصلحة المرجوة ([198]).

وأصحاب الاتجاهات الثلاثة مجمعون على أن العقوبة فيها قسوة وعنف من منظورنا المعاصر، وأن هذه القسوة وهذا العنف إذا كان ملائماً لذلك المجتمع البدوي القاسي، فإنه لا يليق بالمجتمعات المتحضرة اليوم.

يجيب الدكتور الريسوني بقوله: "" إن العقوبات المنصوصة في الإسلام تتسم بقوة الزجر، وسهولة التنفيذ، فهي زاجرة إلى أقصى الحدود للجناة ولغيرهم، ومن حيث التنفيذ لا تكلف ميزانية ضخمة ولا جهازاً بشرياً واسعاً ولا وقتاً طويلاً كما هو الشأن في عقوبة السجن. فإذا جئنا إلى حد السرقة وهو القطع وجدناه محققاً مقصوده ومصلحته بدرجة عالية، والحق أن مجرد الإعلان عن إقرار عقوبة القطع يؤدي إلى زجر عدد واسع من السراق … وإراحة المجتمع من سرقاتهم ومحاكمتهم وحراستهم وإطعامهم في سجونهم، ويتحقق هذا بدرجة أوسع وأبلغ حين يُشرَع فعلاً في تنفيذ العقوبة ولو على أفراد معدودين، فإقرار عقوبة القطع والشروع في العمل بها [قد] يخفض جرائم السرقة إلى العشر أو أقل، وهذا هو عين المصلحة وأقصى درجاتها في موضوعنا الذي هو صيانة الأموال وأصحاب الأموال من العدوان والخوف. بقي أن يقال: إن هذه العقوبة شديدة وفادحة وقد أصبح بالإمكان اليوم الاستعاضة عنها بغيرها. وأقول: إن شدة هذه العقوبة تخف وتهون بعدة أسباب: الأول: هو ما تحققه من المصلحة العامة الواسعة مما سبقت الإشارة إليه. والثاني: هو القلة المتزايدة في حالات القطع بمجرد الأخذ به والمضي في العمل به، والثالث: هو كثرة الشروط التي يلزم توافرها للحكم بالقطع، وهي شروط مبسوطة في كتب الفقه لا يتسع المجال لذكرها، ولكن المهم هو أن تلك الشروط تُضيِّق جد اً من الحالات التي يُطبَّق فيها القطع، والسبب الرابع هو قاعدة " ادرؤوا الحدود بالشبهات "" ([199]).

ثم يضيف د. الريسوني "" ومعنى هذا أننا سنكون أمام مصالح عظمى سيجنيها الأفراد والمجتمع والدولة ومؤسساتها وميزانيتها، مقابل أفراد قلائل سيتضررون بما كسبوه ظلماً وعدواناً. وإذا كان قطع بعض الأيدي يسبب تعطيلاً جزئياً لأصحابها في عملهم وإنتاجهم، فإن في سجن الألوف من السراق لشهور وسنوات تعطيلاً لهم، يضاف إلى ذلك أن السجن يشكل - في كثير من الحالات - مدرسة ممتازة لتعليم الإجرام، وربط العلاقات بين المجرمين، فهاتان مفسدتان لا بد من وضعهما في الميزان، فهل إذا نظرنا إلى المسألة من مختلف وجوهها المصلحية - مما ذكرت ومما لم أذكر - يبقى مجال للظن بأن حد السرقة لم يعد ملائماً للمصلحة ولظروفنا الحالية؟ "" ([200]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير