تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويضرب الدكتور الريسوني ثلاثة أمثلة لدعوى بعض أصحاب الخطاب العلماني بتعارض النص مع المصلحة ويناقشهما مناقشة رصينة ولذا رأيت من الضروري أن ألخصها هنا:

المثال الأول: ذهب الرئيس التونسي السابق بورقيبة إلى أن صيام رمضان يسبب تعطيل الأعمال وضعف الإنتاج ودعا العمال سنة 1961م إلى الإفطار حفاظاً على الإنتاج الذي يدخل ضمن الجهاد الأكبر ([188]).

ثم خرج فيما بعد من يُنظِّر لدعوة الرئيس ويبحث لها عن منافذ مشروعة لكي تتمكن من التسلل إلى ضعاف العقول وضعاف الإيمان فقال عبد المجيد الشرفي بعدم فرضية الصيام وتمحل لذلك بعض الأدلة ([189]).

فهل الصيام حقاً يتعارض مع مصلحة الإنتاج، ومصلحة النهوض الاقتصادي؟

إن الصوم يلغي وجبتين غذائيتين تقعان في وقت العمل هما وجبة الإفطار والغداء ([190]) والصوم يوفر على الموظفين وقت هاتين الوجبتين، وهو وقت يمكن الاستفادة منه لصالح العمل والإنتاج، ثم إن الصوم يمنع الموظفين عن التدخين ومعلوم أن التدخين يأخذ من صاحبه دقائق متكررة على مدى اليوم كله قد تستغرق ساعة من ساعات العمل. هذا بالإضافة إلى ما يسببه التدخين عموماً من هدر كبير في القدرات والأوقات في غير رمضان بسبب أضراره المادية والصحية والنفسية فلماذا لا يُنظر إلى هذه الآفات التي يخفف منها شهر الصيام. ولماذا لا ينظر إلى الفوائد الروحية والتربوية والسلوكية والصحية التي تعود على المواطنين من الصيام وبالتالي على المصلحة العامة ([191]).

المثال الثاني: يرى عدد من المعاصرين أن الحجاب لم يعد ملائماً للعصر، ولا لمكانة المرأة وتحررها واقتحامها لكافة مجالات الحياة العامة من مدراس وجامعات ومعامل وإدارات وأسفار وتجارات، لأن هذا الحجاب يعوق حركة المرأة ويعرقل مصالحها. ([192]).

فهل هذه الدعوى صحيحة من جهة تحقق المصلحة أو عدمها؟

يجيب الدكتور الريسوني:

"" إذا تجاوزنا الخطابات المبهمة والشعارات التحديثية ذات التأثير الإشهاري الجذاب، فإننا لا نجد أي مصلحة حقيقية راجحة يعوقها الحجاب ويفوتها. وأحسب أن الواقع المعيش والمشاهد في العالم كله الإسلامي والغربي أصبح اليوم يشكل أبلغ رد على كل ما يقال عن السلبيات المدّعاة للحجاب، فلم يعد الحجاب قريناً للجهل والأمية والخنوع والتخلف، بل أصبح في حد ذاته رمزاً للتحرر والتمسك بالحقوق والمبادئ، ورمزاً للصمود والمعاناة في سبيلها، وهي رمزية لم تكن له فيما سلف يوم كان شيئاً عادياً يقبله الجميع ويسلم به الجميع. وهذا فضلاً عن كون ذوات الحجاب يوجدن اليوم بجدارة وكفاءة في كل موقع من مواقع العلم والعمل الراقية المتقدمة، ولا يختفين إلا من المواقع التي يُمنعن منها أو لا تليق بكرامتهن وخلقهن "" ([193]).

ثم يضيف د. الريسوني "" إن الحجاب تظهر قيمته ومصلحته اليوم أكثر من أي وقت مضى، وبيان ذلك أن المرأة اليوم تنجرف مع تيار كاسح يكاد يختزل المرأة وقيمتها ودورها في الجسد المزوّق المنمق المعروض في كل مكان، والمرأة -على نطاق واسع وعت أو لم تع قصدت أم لم تقصد - واقعة هي أيضاً في فتنة الجسد وفي فتنة اللباس، أو بعبارة القرآن الجامعة في فتنة التبرج، وجميع المتبرجات -من حيث يدرين أو لا يدرين – هن عارضات أزياء وعارضات أجسام، وكثيرات منهم يعشن يومياً - وكلما خرجن إلى العموم - في منافسة استعراضية لا تنتهي في الشوارع والإدارات، في الشواطئ والمنتزهات، وفي المدارس والجامعات في المناسبات والحفلات ...

وكمن يصب الزيت على النار يقوم عدد لا يحصى من الرجال بالإغراء والتشجيع، وتقوم مؤسسات تجارية وإعلامية وسياحية بتغذية هذا التوجه وتأطيره والمتاجرة به بشكل مباشر أو غير مباشر، وهكذا تدخل المرأة - الضحية الأولى في هذا المنزلَق - في دوامة تنحط فيها كرامتها وقيمتها، وتنحط فيها اهتماماتها وانشغالاتها، حيث تستهلك قدراً كبيراً من وقتها ومالها ([194]) لتدبير شؤون جسدها ولباسها ومظهرها. والحقيقة أن الذي أصبح يعوق المرأة عن رقيها وتحررها وعن دراستها وعملها ليس هو الحجاب، بل الانغماس في التبرج والتزين، والهواجس الاستعراضية … هذا هو الواقع الرديء الذي تنجرف إليه المرأة انجرافاً يخرج بها - أو يهبط بها - من التكريم إلى التجسيم هو الذي يقف اليوم في وجهه اللباس

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير