تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المصادر أن عثمان كتب أو استكتب خمس نسخ من المصاحف مختلفة القراءات وبعثها في الأمصار (6)، ولقد كان رسم المصحف العثماني نفسه معيناً علي تعدد القراءات لخلوه من النقط والشكل.

رسم المصحف والقراءات:

ولا بد أن نلقي مزيداً من التأكيد علي لفظة "معينا" في العبارة السابقة، فإن قولنا " كان معينا علي تعدد القراءات" يختلف اختلافاً بائنا عن قولنا" كان سبباً في تعدد القراءات" فالعبارة الأولى صحيحة لا يشوبها شك، وللتمثيل نذكر قوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) (النساء: 94).

فلفظ " فتبينوا " مكتوب في المصحف العثماني هكذا (فتتتتوا)؛ بغير نقط0 وهو معين علي قراءة الآية بوجهين:

(فتبينوا) وكذلك (فتثبتوا).

وكلتاهما قراءة صحيحة مروية عن النبي صلى الله عليه و سلم بطريق التواتر (7) وأما العبارة الثانية: فهي خطأ لا يشوبها شبهة صواب، لأن مؤداها أن القراءات واختلافها كان متأخراً عن جمع القرآن، وأن قراء القرآن من التابعين قد تصرفوا من تلقاء أنفسهم بقراءته علي غير الوجه الذي نزل به مخدوعين بالرسم العثماني غير المضبوط مرة، أو مستحسنين معني بعينه مرة أخرى.

المستشرقون وقضية القراءات:

ولا يفوتنا أن نناقش هذا التفكير السخيف الذي أدى إلى هذا الاستنتاج، وتبلور بصورة واضحة في كتابات المستشرقين، وبخاصة كتاب"جولدتسيهر" المسمى (مذاهب التفسير الإسلامي).

والملاحظ أن كثيراً من المستشرقين أطلعونا علي أحط تفكير حين تعوضوا للدراسات القرآنية، فـ (جولدتسيهر) يبدأ كتابه بتقرير بارد هو أنه"لا يوجد كتاب تشريعي يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات مثل القرآن" (8) وهو بهذا يعني تعدد القراءات القرآنية فيسميه اضطراباً، وتجاهل اليهودي أن كتاب قومه لا يساوي في ميزان النقد العلمي جناح بعوضة، وقد اعترف بهذه الحقيقة بعض إخوانه (9).

والتقرير الذي يقدمه جولد تسيهر غريب عن الروح العلمي الذي يدعيه المستشرقون، فاختلاف القراءات هو اختلاف محدود في آيات بعينها من القرآن. كما أن" الاضطراب وعدم الثبات لا يجوز وصف النص به إلا إذا جاء علي صور مختلفة أو متضاربة لا يعرف الصحيح الثابت منها " (10) أما وروده بصور مختلفة صحيحة النسبة إلى الله تعالى متصلة السند به، فلا يجوز أن يكون مطعناً حتى إذا اختلفت صوره، ولو نظر ابن اليهودية في العهد القديم، فقرأ فيه خبر موت موسى ودفنه (11)، وأخبار الملوك بعد موسى (عليه السلام) (12) لأيقن أنه كتاب كتبته أيدي قومه، ولو تأمل حديث هذا الكتاب عن الرب تعالى، ومصارعته ليعقوب عليه السلام، وصرع يعقوب إياه وكسره ضلعا منه لأيقن أن الأيدي التي كتبته لهي أنجس الأيدي. (13)

أين هذا كله من القرآن الكريم؟ الدقة المتناهية في إثبات نصوصه، والورع المتناهي في قراءة حروفه، والضبط المتناهي في نقل آياته. واقرأ كتاب المستشرق "وليم موير" المسمى (حياة محمد) حين يتعرض في مقدمته لما يسمى " تحريف القرآن وتبديله " وقد ترجمها برمتها الأستاذ هيكل في مقدمته الرائعة للطبعة الثانية من كتاب حياة محمد. وقد استقصى فيها "موير" عمليتي الجمع القرآني ومقومات الدقة فيهما، في ترتيب فكري خالص، يحسن قراءة ألفاظه التي هو اختارها للتعبير عن نتائجه كما ترجمها هيكل، وإن كنا ننقل النتيجة التي وصل إليها من هذا التحليل. يقول (14):

"والنتيجة التي نستطيع الاطمئنان إلى ذكرها هي أن مصحف زيد وعثمان لم يكن دقيقاً فحسب، بل كان- كما تدل الوقائع عليه - كاملاً، وأن جامعيه لم يتعمدوا إغفال شئ من الوحي، ونستطيع كذلك أن نؤكد - استناداً إلى أقوي الأدلة - أن كل آية من القرآن دقيقة في ضبطها كما تلاها محمد"صلى الله عليه وسلم" بل إن شئت الدقة فاقراً مقدمات تفسير"الطبري" و"القرطبي" وكتاب " نكت الانتصار لنقل القرآن " (15) للقاضي الباقلاني لتري من كل ذلك العجب العجاب.

تشكيك (زيهر) في القرآن:

ومع ذلك فقد استخدم (جولد تسيهر) ما وسعه أن يستخدمه من معلومات مبتورة مستهدفاً التشكيك في القرآن والقراءات القرآنية، من ذلك:

1 - يرى أن المنتظر من النص الإلهي أن يأتي في قالب موحد متلقي من الجميع بالقبول.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير