تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويقول تبارك وتعالى:} فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ… {([10]). فالمراد من الإذن - هنا - التخلية بين المسحور وضرر السحر؛ قاله الحسن ([11])، قال الآلوسي:"وفيه دليل على أن فيه ضرراً مودعاً، إذا شاء الله تعالى حال بينه وبينه، وإذا شاء خلاه وما أودعه فيه، وهذا مذهب السلف في سائر الأسباب والمسبَّبات" ([12]).

ومن الأمثلة التي تؤكد الاطراد في نظام السببية، وأن هذا الاطراد خاضع للمشيئة الإلهية، ما نراه كل يوم من أمر الشمس، فدوماً تظهر من جهة المشرق، وتختفي في جهة المغرب، وهذه سنة مطردة، وقد تحدى بها إبراهيم u، فيقول تعالى حكاية عنه:} قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {([13]).

ولكن هذا الاطراد قد انخرق ليوشع u، حيث قال للشمس:"أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئاً، فحُبِست عليه حتى فتح الله عليه" ([14]).

وبشأن السببية المرتبطة بالمجتمع يقول تعالى:} وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا {([15]). فهذه الآية تشير إلى الحتم الذي لا يتغير، عن قتادة قال:"قضاء من الله كما تسمعون، ليس منه بد، إما أن يهلكها بموت، وإما أن يهلكها بعذاب مستأصل، إذا تركوا أمره، وكذبوا رسله" ([16]).

ونشير هنا إلى معنى كلمة الحتم التي لم ترد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة، وقد وردت بشأن قضية غيبية هي قضية ورود الناس جهنم يوم القيامة، قال I:} وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا! ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا {([17]). الشاهد في هذه الآية قوله تعالى:} حَتْمًا مَقْضِيًّا {، فالحتم: القضاء والإيجاب، وإحكام الأمر ([18]). فالمعنى: واجباً مفروغاً منه بحكم الوعيد ([19]).

وبهذا يمكن أن نخلص إلى النتيجة التالية: إن القرآن الكريم أكد مبدأ السببية، واعتبر الأسباب أسباباً جعلية وليست ذاتية، فالأسباب داخلة في قسم الممكنات التي تتسلط عليها القدرة الإلهية فتصرفها كيف شاءت.


([1]) انظر: محمد فؤاد عبد الباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن: 429.
([2]) انظر: الزمخشري: الكشاف: 1/ 210 - و2/ 715 - وانظر: الرازي: مفاتيح الغيب: 4/ 223.
([3]) انظر: الآلوسي: روح المعاني: 1/ 192 - والقاسمي: محاسن التأويل: 3/ 488 - وابن القيم: شفاء العليل: 341.
([4]) سورة الأعراف: الآية 57.
([5]) سورة الحجر: الآية 5.
([6]) مفاتيح الغيب: 2/ 121.
([7]) سورة الفرقان: الآية 68 - 70.
([8]) سورة الواقعة: الآية 62 - 70.
([9]) سورة آل عمران: الآية 26.
([10]) سورة البقرة: الآية 102.
([11]) انظر: الرازي: مفاتيح الغيب: 3/ 239 - والآلوسي: روح المعاني: 1/ 343
([12]) روح المعاني: 1/ 343.
([13]) سورة البقرة: الآية 258.
([14]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة.
([15]) سورة الإسراء: الآية 58.
([16]) ذكره الطبري: جامع البيان: 15/ 133 - وانظر: مفاتيح الغيب: 20/ 234.
([17]) سورة مريم: الآية 71 - 72.
([18]) انظر: الفيروزآبادي: القاموس المحيط: 984.
([19]) انظر: الزمخشري: الكشاف: 3/ 34 - والرازي: مفاتيح الغيب: 21/ 244 - والقرطبي الجامع لأحكام القرآن:11/ 147.

ـ[مرهف]ــــــــ[13 Apr 2006, 06:44 م]ـ
أحسنت د بكار على هذه الدراسة الطيبة، ومن فوائدها الرد على الماديين القائلين بتأثير الأشياء في الطبيعة بذواتها، ولكن حبذا لو عرفتم السببية باصطلاحكم الذي ارتضيتموه في بداية دراستكم حتى لا يختلط علينا مبدأ السببية المعروف لانشتاين.

ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[14 Apr 2006, 12:44 ص]ـ
تكملة لما ذكره أخي د. بكار فيما يتعلق بالأسباب أقول:
ينبغي في الأسباب مُراعاة ما يلي:
أ - لا بُدَّ أنْ يكون السببُ سببًا حقيقيًا وهو الذي ثَبَتَ أنّه سببٌ شرْعًا أو حِسًّا.
ب - أنّ الأسبابَ مهْما عظُمتْ لا تأثير لها إلاّ بإذن الله.
فالنارُ مُحْرِقة وسُلِبتْ هذه الخاصّيةُ في إبراهيمَ حينما قال الله تعالى: {قُلْنَا يَا
نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (الأنبياء:69).
والبحْرُ مُغْرِقٌ وسُلِبتْ مِنْه هذه الخاصّية في موسى حينما قال الله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
الحادثُ بسببٍ معلوم له صُوَر:
الصورة الأولى: أنْ يُضيفه إلى الله وحْده.
الصورة الثانية: أنْ يُضيفه إلى الله تعالى مَقْرونًا بِسببه المعلوم مثل أنْ يقول: لولا أنّ الله أنْجاني بِفلانٍ لغرِقْتُ.
الصورة الثالثة: أنْ يُضيفه إلى السبب المعلوم وحْده معَ اعتقاد أنّ الله هو المُسَبِّب،ومِنْه قَوْلُ النبيِّ في عمِّهِ أبي طالب لمَّا ذكَر عذابه: [لَوْلا أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِن النَّار].
الصورة الرابعة: أنْ يُضيفه إلى الله مقْرونًا بالسبب المعلوم بـ " ثُمَّ " كقوله: لولا الله ثُمَّ فلان. وهذه الأربع كلُّها جائزةٌ.
الصورة الخامسة: أنْ يُضيفه إلى الله، وإلى السبب المعلوم مقْرونًا بالوَاوِ؛ فهذا شِرْكٌ، كقوله: لولا الله وفلان.
الصورة السادسة: أنْ يُضيفه إلى الله، وإلى السبب المعلوم مقْرونًا بالفاء، مثل: لولا الله ففلان؛ فهذا محلُّ نظر: يحتملُ الجوازَ، ويحتملُ المنْعَ.
الصورة السابعة: أنْ يُضيفه إلى سبب مَوْهُوم ليس بثابتٍ شرْعًا ولا حِسًّا فهذا شِرْك.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير