المتاحف والمكتبات من آثار تعتبر جزءاً من حضارة الإنسان)، وجاء في " المعجم الأدبي "، أن كلمة " تراث " تعني:
1 - ما تراكم خلال الأزمنة من تقاليد وتجارب وخبرات وفنون وعلوم في شعب من الشعوب، وهو جزء أساسي من قوامه الاجتماعي والإنساني والسياسي والتاريخي والخلقي، ويوثَّق علائقه بالأجيال الغابرة التي عملت على تكوين هذا التراث وإغنائه.
2 - " فنياً" يبرز فعل التراث في آثار الأدباء والفنانين، فتصبح هذه الآثار محصلاً لانصهار معطيات التراث وموحيات الشخصية الفردية.
أما تعريف التراث اصطلاحاً فلقد حُمِّلَ هذا المصطلح بالعديد من المفاهيم في الخطاب المعاصر بل وما زال مفهومه اصطلاحاً مضطرباً، ولكن أرى من الضروري الإشارة إلى مفهوم مزدوج للتراث في الفكر المعاصر، فـ" يتحمل مفهوم التراث بعدين متمايزين، أحدهما: أفقي مباشر، وهو: الموروث المادي والفكري الذي وصل إلينا من المجتمع العربي – الإسلامي.
والآخر: عمودي بعيد، وهو: كافة المنجزات المادية والفكرية التي صنعتها شعوب عاشت وتفاعلت مع شعوب أخرى فوق رقعة الوطن العربي – الإسلامي.
ويعزز ذلك المفهوم ما يعنيه المصطلح المستعمل في اللغتين الفرنسية والإنجليزية Heritage ، إذ يُغطِّي المساحتين معاً: الممتلكات التي تنحدر إلى الإنسان عن طريق ميلاده، والممتلكات التي تصل إليه عن طريق الأجيال السابقة.
وقد اقتصر مفهوم التراث في بعض الأمم على البعد الأفقي، فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، لا تقيم جسوراً بين ثقافة المستوطنين الجدد القادمين من كل بقاع الأرض، وبين ثقافة السكان الأصليين من الهنود الحمر، بينما هذه الجسور تمتد بقوة وعمق في مفهوم التراث في الخطاب الإسلامي المعاصر.
ومفهوم " التراث " القريب من " الثقافة " مفهوم تركيبي متعدد الجوانب، متنوع القسمات، لا يشكِّل كياناً متجانساً واحداً، ولا يسير على وتيرة واحدة، أو في اتجاه واحد، بل هو باعتباره جماع خبرة المجتمع في تطوِّره المادي والمعنوي، يتضمن النصوص والأفكار والقيم من ناحية، والمؤسسات والأبنية من ناحية أخرى، والعلاقات والممارسات من ناحية ثالثة، فهو خلاصة خبرة المجتمع في تفاعله مع بيئته الداخلية والخارجية، وهو استخلاص كيفية تعامله مع التحديات التي واجهته في مسيرته التاريخية.
ومصطلح " التراث " لا يضم في سلَّة واحدة مصدراً كالوحي الإلهي إلى مفاهيم الشارحين واجتهاداتهم ورؤاهم وأفكارهم. والذين يعنون بالتراث كل ما ورثناه من أسلافنا، بما في ذلك القرآن الكريم والسنة، إنما يضعون أنفسهم موضع الشبهة في أنهم يسعون إلى إنكار ونزع صفة الوحي الإلهي عنها، ومن ثم إخضاعها للتطوير والتبديل بتغير الزمان والمكان ... وهذا تأباه شريعتنا الإسلامية وتوجيهات ديننا الحنيف.
و التراث الإسلامي إلى جانب ضخامته، ليس تراثاً تقليدياً يستمد حياته ووجوده من تراث غير تراث أهله، ويستمد مادته من تراث أمة سبقته في الريادة في هذا الميدان. وإنما هو تراث أصيل مبتكر، استمد حياته ووجوده من أعظم رسالة نزلت من عند الله سبحانه، على أكرم رسول أُرْسِل إلى الخليقة، استمد وجوده وحياته من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وإجماع الأمة، واجتهاداتها المستوحاة من قواعد الإسلام وكلياته العامة، ومع اضطراب مفهوم التراث عند المشتغلين فيه إلا أن الشحرور بعلميته المشتتة يعرض مفهوم التراث على أنه مسلمة لا نقاش فيه، ولكن دعونا نرى رأيه في القرآن والسنة هل هما من التراث أم لا، يقول الشحرور:
(من هذا المنطلق ننظر إلى القرآن، فالذي أنزل القرآن هو الله، والله سبحانه وتعالى مطلق حي باق والناس نسبيون ميتون. لذا فالقرآن ليس تراثاً وقد صيغ القرآن بصيغة متشابهة لهذا السبب بحيث حوى الحقيقة المطلقة من الله والفهم النسبي لهذه الحقيقة من قبل الناس بآن واحد.
وبما أن القرآن ليس تراثاً وجب علينا أن نفهم أن صياغته متشابهة وأنه جاء من حي إلى أحياء. فالله حي والعرب في القرن السابع الميلادي أحياء فتفاعلوا معه حسب أرضيتهم المعرفية، ونحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري أحياء والله حي. فما علينا إلا أن نتفاعل معه طبقاً لأرضيتنا لمعرفية، ففي هذه الحالة فقط لا يكون القرآن تراثاً لأننا نفهمه على أساس أنه تنزل علينا.)
¥