تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه نظرته إلى القرآن، إذن القرآن ليس تراثاً بنظره، ولكنه يؤكد على أنه نزل من عند الحي، ثم يمهد للفكرة التي بعدها ـ وسنوردها ـ بأن القرآن نزل لأحياء يتفاعلون معه، ونحن كذلك ينبغي أن نتفاعل معه، وأما تفاعل السلف مع القرآن فهو تراث "عصراني"، فما النتيجة من هذه المقدمة؟!! وما هو موقفه من السنة؟!! يقول الشحرور:

(فإذا كان القرآن ليس تراثاً فما هو التراث العربي الإسلامي؟ الجواب: التراث العربي الإسلامي هو تفاعل الناس مع القرآن ابتداء من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وصدر الإسلام مروراً بكل أنواع التفاسير على مر القرون. هذا النتاج الفكري والحضاري الهائل الناتج من هذا التفاعل هو التراث العربي الإسلامي. فإذا تفاعلنا نحن في القرن الخامس عشر الهجري مع القرآن فما أن يأتي القرن السادس عشر الهجري حتى يصبح تفاعلنا تراثاً بالنسبة للناس بعدنا.)

وبذلك نستنتج أن السنة تراث كما تفسير الصحابة والتابعين تراث، وبما أنهم أموات ونحن أحياء، فتفاعلهم مع القرآن انتهى وينبغي علينا برأي شحرورنا أن ننظر إليه على أنه من التاريخ الذي انقضى، وما فسره النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو تفاعل وقتي يناسب عصره ولا يتناسب مع عصرنا ـ كما يزعم شحرورنا.

ومن المناسب أن نقف هنا على تكرار كلمة التفاعل في كلام الشحرور، لنربط هذه الكلمة بما قدمته في الكلام في تعريف التراث، إذ العصريون يعتبرون التراث هو نتاج تفاعل، تفرضه حاجة، وهذا المفهوم شائع بالثقافة الأمريكية والأوربية، ولكن هل يتناسب مع مفهوم التراث في الثقافة "العربية" والإسلامية كما يعبر شحرورنا العزيز، أرى أن التركيز على هذا التفاعل إنما هو محاولة بناء فكر علماني بثوب إسلامي بدعوى المعاصرة، والشحرور بكلامه هذا ينبئنا عن عدم معرفته بقيمة تفسير السلف الصالح من جهة اللغة والمعاني، أو أنه يتقصد رفض تفسيرهم ليكون الهوى والخيال هو المفسر لكلام الله تعالى كما فعل هو في هذا الكتاب، لأن تكاليف الإسلام تثقل على صاحب الهوى فلا بد إذن من إسلام أهوائي، وهو المسمى عنهم باليسر والسمح على هذا المعنى.

وشحرورنا أيضاً يعرفنا بهذا الكلام على ثقافته الضحلة في القرآن وهو يطرح قراءته له، لأنه يتجاهل أو يجهل أن السنة وحي من الله تعالى، وأن أهم وظائف النبي صلى الله عليه وسلم هي بيان القرآن، فأما كون السنة وحياً من الله تعالى فدليلها قول الله عز وجل: ?وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى? [النجم: 3ـ 4]، وأما دليل بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن فقوله تعالى: ? وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ? [النحل: 44]، فالذكر هو القرآن، وبيانه صلى الله عليه وسلم هو من أسس فكر المسلم وبنائه العقلي. فلم هذا التغييب أو النفاق في البحث العصري!!؟

ولا أدري لماذا أرى ارتباطاً بين ما يقوله الشحرور وما كان يدعوا إليه المستشرقون في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين الميلادي من المطالبة بتطبيق معطيات المناهج التغريبية على القرآن في أفق البحث عن تاريخ القرآن ثم إعادة قراءته أو تفسيره من جديد، بل وبدأ يغلب على دراساتهم منحى ضرورة إخضاع تفسير القرآن لمناهج التحليل في العلوم الإنسانية من أجل أن ينعشوا جهودهم بعد إفلاسهم وخيبتهم، ولعل الكلام الذي سأورده عن شحرورنا يؤكد هذا الترابط يقول:

(هكذا فقط يمكن التعامل مع القرآن إذا أردنا أن ننظر إليه على أنه كتاب حي صادر عن حي إلى أحياء أي من شاهد إلى شاهد وليس من غائب إلى شاهد. وخاصية التشابه تسمح لنا بذلك.

فماذا قدم السادة العلماء للناس؟ لقد تصدر العلماء المجالس والإذاعة والتلفزيون على أنهم علماء المسلمين وجلهم ناقل وليس بمجتهد أي أنهم قدموا لنا ماذا فهم السلف من القرآن على أنه تفسير للقرآن. والواقع أنهم بذلك لم يقدموا ما يؤكد أن القرآن صالح لكل زمان ومكان بل قدموا تفاعل هؤلاء الناس مع القرآن وبالتالي قدموا الأرضية المعرفية التاريخية لهؤلاء الناس إلينا ونحن في القرن العشرين، أي قدموا لنا تراثاًُ إسلامياً ميتاً. وكل الشواهد التي نراها في القرن العشرين هي أن الإسلام دين خارج الحياة جاء للناس جميعاً وهو عبء

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير