لم ينحصر الأمر بالتعريفات المقدمة بل نلحظ هذا التفاوت في طريقة التقسيم ونوعية التبني لنوع دون آخر عند رواد التفسير العلمي من أصحاب الاختصاص بالعلوم الشرعية؛ فمثلاً الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور يقول بجميع أنواع التفسير العلمي، فهو يرى أنه لا مانع من ذكر تفاريع العلوم خدمة للمقاصد القرآنية، كجلب مسائل من علم التشريح لزيادة بيان عظمة القدرة الإلهية عند تفسير قوله تعالى في خلق الإنسان: (مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) [الحج: 5] أو لمناسبة بين معنى الآية والمسائل العلمية، أو أنها تزيد في فهم المعنى، أو بقصد التوسع لرد المطاعن عن القرآن، أو لإثبات أسبقية القرآن في ذكره لبعض العلوم، حيث لم تكن معلومة وقت نزول الوحي.
هذا على عكس الدكتورة هند شلبي التي جعلت التفسير العلمي مقتصراً على الإعجاز العلمي حيث ترى أن " القول بالتفسير العلمي بالقرآن يعود إلى إبراز صفة الإعجاز فيه باعتباره صادراً عن الله وبالتالي شاهداً على صدق الرسالة المحمدية ".
"فالذي يحسن فهمه حينئذ من مثل عبارتي الإعجاز العلمي في القرآن أو التفسير العلمي هو ملاحظة ما احتوى عليه هذا النص من معان يتعذر صدورها عن بشر زمن نزول القرآن لأنها تكشف عن واقع لم تكن العقول البشرية قد نضجت بعد لتقف عليه".
كذلك الشيخ رشيد رضا لا يقول بجميع أشكال التفسير العلمي، وإنما يقصرها على الإعجاز العلمي الذي يجعله قسمين، الأول: هو عجز العلوم عن أن تبطل أو تنقض شيئاً من القرآن الكريم، رغم أن ما ذكر فيه كان منذ أربعة عشر قرناً.
الثاني: وهو ذكره لمسائل علمية لم تكن معروفة في عصر نزوله، تم اكتشافها في هذا العصر.
أما الدكتور محمد الصادق عرجون فيقصر التفسير العلمي على زيادة بيان المعنى القرآني بالعلوم، في سبيل تبيان الهداية الإلهية التي أودعها الله في القرآن؛ فهذه العلوم إنما تكون مساعدة " في بيان المعنى الذي يهدي إليه أسلوب الآيات، ويكون هذا التفسير بمثابة دائرة معارف قرآنية تسد لدى العالم الإسلامي فراغاً يشعر به كل مسلم."
كذلك يحرص سيد قطب على الاستفادة من العلوم في تفسير القرآن، ولكن دون أن يجري وراء النظريات لإثبات مصداقيته، وإنما لتوسيع مدلول النص القرآني، بما يُكشف في الآفاق والأنفس، فمثلاً لا مانع من تتبع ما كشفه العلم من دقة وتناسق في هذا الكون، بما فيه من أرض، وشمس وقمر ….، لتوسيع مدلول قوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 1].
إن هذا التفريق بين أشكال أو صور التفسير العلمي، لا يخرج المفسر المقتصر على شكلٍ منه، عن دائرة التفسير العلمي، لأنه كغيره يقول بضرورة الاستفادة من نتائج العلوم خدمة للنص القرآني،لكنه يعكس الأهداف التي يتوخاها المفسر من اتجاهه نحو شكل دون آخر، والأسباب التي جعلته يقتصر عليه، فمثلاً حين رأى سيد قطب أن العلم متغير متبدل، من جهة، وأننا نجعل حاكمية للعلم على النص حين نثبت مصداقية القرآن به، من جهة أخرى، اقتصر على توظيف العلم في توسيع المدلول القرآني.
إن التفسير العلمي جنس تنضوي تحته أنواع عديدة، والإعجاز العلمي نوع منه، فالتفسير العلمي أعم من الإعجاز العلمي، لذلك يمكن القول إن كل إعجاز علمي هو تفسير علمي وليس كل تفسير علمي هو إعجاز، فمثلا أن تذكر الآية ظاهرة المطر دون التفصيل في أسبابها من أجل الاستدلال على وحدانية الله عز وجل، فيفصل المفسر العلمي في بيان أسباب هذه الظاهرة التي كشف عنها العلم الحديث، وذلك خدمة للمقصد، فهذا إسهاب علمي يفسر أو يعلل علمياً الظاهرة التي ذكرتها الآية، وليس إعجازا، وللإعجاز أيضا صور عديدة منها المقبول ومنها المرفوض، وليس موضوع البحث للتفصيل فيها، وإنما من أجل مناقشة مدى دلالة الأدلة المطروحة على الإعجاز، وإن شاء الله عز وجل أفصل في بحث مستقل صور الإعجاز العلمي، مع ملاحظة أن ما تم ذكره ليس بالضرورة أن يكون مقبولا.
د. علي أسعد – كلية الشريعة - جامعة دمشق.
ـ[د. حسن خطاف]ــــــــ[23 Jul 2006, 04:38 م]ـ
مشكور أخي الدكتور علي على هذا التفريق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي وفق الله ويسر خطاط في هذا المجال وفي غيره