تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد أراد البحث إذن أن يكشف عن الوحدة المتخفية وراء التنوع والاختلاف في المنظومة العلمانية، وأن يصل إلى الجذور الكامنة وراء الأغصان والفروع، فالتيارات والمدارس العلمانية الليبرالية والماركسية والحداثية والعدمية على الرغم من اختلافها إلا أنها تتفق إلى حد كبير كلما حاولنا الحفر في الأعماق للوصول إلى الجذور المادية والدنيوية التي تغذيها، ويكون الاتفاق أكثر وضوحاً حين يتعلق الأمر بالدراسات الإسلامية عموماً، وذلك بسبب التضاد المطلق بين هدف الرسالة الإسلامية وهدف العلمانية الغربية في التعامل مع أسئلة الإنسان الكبرى وقضاياه المصيرية.

وثمة ملاحظة أخرى لا بد من الإشارة إليها وهي أن البحث سلك المنهج الوصفي التركيبي والكشفي الاستنتاجي ولم يكن الهدف هو النقد والتحليل والمناقشة إلا في حالات عارضة، وقد يبدو ذلك للوهلة الأولى قصوراً في البحث، ولكن الانتباه إلى الهدف المتوخى من هذه الدراسة قد يبدد هذا التصور، ذلك أن الخطاب العلماني يدرس القرآن الكريم وهو يستظهر الإيمان به كمقدس موحى به، ولكن التنقيب والاستقصاء يكشف أن المستبَطن الذي يتفلت منه في مواطن مختلفة يناقض ما هو مُعلَن عنه نظرياً، وقد كانت هذه مهمة البحث بالدرجة الأولى كشف التناقض وفضح المستور وهو ما يتنكر له الخطاب العلماني إذا ما جوبه به ويعتبره اتهاماً وبحثاً عن النوايا وتفتيشاً عن الضمائر، ومن ثم فلم يأخذ البحث على عاتقه مناقشة المقولات العلمانية في هذه الدراسة لأنها قصدت أهدافاً أخرى. باختصار الباحث يريد أن يقول للناس: انظروا ماذا يقول العلمانيون عن القرآن الكريم، وكيف يتعاملون معه، وهم في نفس الوقت يدعون أنهم ينتمون إليه!!.

المبحث الأول

زحزحة الثوابت ونفي المقدس

أولاً – زحزحة الثوابت:

لا مجال في الخطاب العلماني للحديث عن الثوابت واليقينيات، فلا بد - بنظره - لتحقيق التقدم والنهضة من خلخلة القناعات وزحزحة المعتقدات ()، واختراق الممنوعات السائدة، وانتهاك المحرمات والتمرد على الرقابة الاجتماعية ().

ولابد من اختراق أسوار اللامفكر فيه، والمسكوت عنه ()، وتحريك العقول إلى المناطق المحرمة ()، والخروج من الأصولية العقائدية الدوغمائية () والإطار اللاهوتي للفكر الإسلامي ()، وتفكيك الأنظمة والقراءات اللاهوتية والدوغمائية (). والتحرر من التفكير الدوغمائي المجرد وثنائيات الإيمان والضلال، والعقل والإيمان، والوحي والحقيقة (). وإعادة النظر في كل المسلمات التراثية والعقائد الدينية التي يتلقاها المسلم منذ الطفولة ()، وتجنُّب الإجابات الجاهزة، وتحرير المعرفة من الدائرة الأرثوذكسية المغلقة التي تمارس نوعاً من الاستلاب على مريديها ().

إن الأجوبة القديمة رسخت وسادت بقوة الشيوع وحماية السلطان () ولم تعد نافعة، ولا بد من إجابات مختلفة تماماً ومنفتحة تماماً ()، لأن الثوابت والمسلمات والمقدسات تتغير على الدوام مع تقدم العقل البشري ().

والثبات على المنهج الأصولي الدوغمائي هو مصيتنا ()، فلا بد من تفكيك القباب المقدسة قداسات زيوف والتي تختم على العقل العربي ()، وبدون الإفراج عن الأسئلة المحرمة والمكبوتة، وإطلاق الزفرات المضمَرة المقهورة سيظل التخلف مسيطراً ().

إن كل ذلك سوف يُطهِّر الدين من كل الشوائب الثيولوجية العالقة ويجعل العقل في علاقة مباشرة مع الدين دون فرضيات يقينية أو مسلمات عقائدية، إن التوتر المعروف بين التراث الديني والفكر الفلسفي مرغوب فيه، ولا بد أن يبلغ درجة قصوى حتى يتمكن العقل من تفكيك الميتافيزيقا الإسلامية، ليتخلص من كل مظاهر الاستلاب الذي يمارسه الوعي الديني على الوعي البشري. قد يُفضي ذلك إلى نوع من العدمية تضمحل فيها الثوابت المتعارفة والقديمة، ويعيش المجتمع حالة من الضياع، ولكن كل ذلك مؤقت لأن التفكيك لابد أن يعقبه تركيب ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير