تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولذلك لا مانع من انتهاك القيم السائدة والخروج عليها من أجل تقدم المعرفة ()، وذلك بهدم الأسوار والحصون التي شيدها الفكر المستقيل والمنغلق على ذاته بسياج دوغمائي مجمَّد () وذلك كما فعل المفكرون الأحرار الذين رفضوا الدين جملة وتفصيلاً، ومع ذلك فهم لم يخرجوا عن الإسلام وإنما عن فهم ضيق قسري شكلاني سطحي للإسلام ().

ولن يتم ذلك إلا بتطبيق منهجية النقد التاريخي على التراث العربي والإسلامي، لا بد أن تسير في نفس الطريق الذي سارت فيه أوربا، ولا بد أن تَهزَّ المسلمين، ولا بد أن يدفعوا الثمن (). فلا بد لنا من إزالة كثير من العقبات الكأداء التي تصرفنا عن سبيل الرشاد سبيل الحداثة ()، ولن ينفعنا تحفظَّنا أو توهُّم مقاومة هذا التيار الحداثي انطلاقاً من مقولات مهترئة، وثوابت لا يصدقها العقل، وإن مالت إليها عاطفتنا الدينية ().

والسبيل إلى هذا الأمل هو التخلص من سلطة النصوص المغلقة، والتحرر من قال الله وقال الرسول ()، والتحرر من سلطة السلف، والإجماع، والقياس، لأن هذه السلطات تلغي العقل وتجعله لا يفكر إلا انطلاقاً من أصل أو انتهاء إليه أو بتوجيه منه (). كذلك فإن اللغة والشريعة والعقيدة عناصر تتكون منها المرجعية التراثية ولا سبيل إلى تجديد العقل إلا بالتحرر من سلطاتها ()، وذلك بإزاحة القداسة عن منظومة الشافعي الأصولية والتخلص من التعلق الحرفي بالنصوص، والإعراض عن النظرة الفقهية للدين، وتكريس المسؤولية الفردية ().

إن كل ما قرأناه آنفاً من قرارات اتخذها الخطاب العلماني قائمة كما هو واضح على رفض للإسلام جملة وتفصيلاً بزعم أن هذا الإسلام من الثوابت التي تحول بين الفكر والإبداع، ولابد لكي يتحقق الإبداع من إطلاق حرية الإنسان، وهي نتيجة لازمة لهذه المطالب القائمة على الزحزحة والزعزعة والرفض، وقد عبر عن هذه النتيجة أدونيس بصراحة عندما اعتبر الرؤية الإسلامية هي السبب في الاتباعية وضمور الإبداع () لأنها تكرس المحرم، فلذلك لابد من الثورة على هذا المحرم والتأسيس للشهوانية والإباحية، لابد من الثورة على التقاليد الاجتماعية الدينية والعودة إلى البداية حيث لا خجل ولا عار حيث "" اللاخطيئة فاللذة هي القيمة "" (). وحيث الإلحاد الذي يُمثل خروجاً عن النسق الديني للمجتمع ولذلك فهو "" نهاية الوعي وبداية لموت الله [سبحانه] أي بداية العدمية التي هي نفسها بداية لتجاوز العدمية "" (). إن هذا هو الوعي الجديد هو الذي يقوِّض الوعي القديم، ويتساوى مع الوعي الذي خلقته الحركة القرمطية على مستوى التاريخ ().

وهكذا تلتقي العلمانية مع الغنوصية والباطنية في بداية الطريق ونهايته.

والسؤال: هل نحن بحاجة إلى أن نناقش هذا العبث؟ والإجابة: إذا كان العبث بممتلكات الناس وأموالهم، والاعتداء على أرواحهم، وأعراضهم يحتاج إلى عقوبات رادعة، ومؤاخذات زاجرة، فإن العبث بعقولهم والاعتداء على معتقداتهم ومقدساتهم يستلزم بلوغ الغاية في ذلك.

ثانياً – نفي المقدس:

الخطاب العلماني - كما رأينا - يرفض أن تكون هناك محرمات " تابو " أو مقدسات لأن المقدس أو المحرم أولاً يحاصر العقل ويحول بينه وبين الانطلاق، ويسبب له عملية كبت حيث نجد "" وجداننا لا يقترب من الله والسلطة والجنس مع أننا نفكر فيها ليل نهار، ونعيشها بوجداننا من أجل الإشباع وتعويضاً عن الحرمان "" (). وثانياً هو الذي يولد التعصب و" الدوجماطيقية " () فالعنف مرتبط بالتقديس والعكس صحيح، لأن الحقيقة مقدسة وتستحق أن يُسفَك من أجلها الدم ()، وهذا ما حصل في الميثولوجيا الإسلامية (). لذلك فالدوجماطيقية - أي توهُّم امتلاك الحقيقة المطلقة - ()

مضادة للتنوير () لأنها تعني التعصب بلا حدود ().

فما العمل للقضاء على التعصب؟ يتم ذلك ببيان أنه نظام " دوجماطيقي " مغلق وكاذب، بيد أن هذه المحاولات محكوم عليها بالفشل في أغلب الأحوال، لأنها لا تكشف عن الخلفية الحقيقية للتعصب، فالخلفية الحقيقية هي القوى اللامعقولة الخفية وأعني بها " التابو " أو الممنوع " المحرم " غير القابل للنقد، والمتجذِّر في اللاوعي الجمعي ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير