تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن القرآن يقوم بعملية "" خلع التعالي على أحداث تاريخية واقعية حصلت في زمن النبي [?] ولكنها حُوِّرت من قبل الخطاب القرآني لكي تتخذ دلالة كونية تتجاوز خصوصيتها المحلية، وتتخذ صفة الكونية، وتصبح وكأنه لا علاقة لها بحدث محدد وقع في التاريخ المحسوس "" (). وهكذا فالقرآن عن طريق العمليات الأسلوبية والبلاغية التي يتبعها "" يمحو المعالم المحسوسة والإشارات التاريخية الدقيقة عن طريق أسلوب التسامي والتصعيد، أي تصعيد هذه الأحداث بالذات، وإسباغ الروحانية الدينية والكونية على مفردات ذات مضمون اجتماعي وسياسي وقانوني في الأصل ... وهكذا ينجح [القرآن] في محو كل التفاصيل والدقائق التاريخية للحدث، ويصبح خطاباً كونياً موجهاً للبشر في كل زمان ومكان، وهكذا يفقد صفته التاريخية فيبدو وكأنه خارج التاريخ أو يعلو عليه "" ().

هذه المحاولات من القرآن هي – بنظر الخطاب العلماني - محاولات أيديولوجية أي أن القرآن يفعل ذلك ويتعالى بالتاريخ لمقاصد وأغراض دنيوية، ومن مهام أركون والمثقف العربي عموماً "" الخروج من السياج الدوغمائي المغلق الذي تم ترسيخه وتشغيله وإعادة إنتاجه من قِبل المؤسسات الدينية على مدى قرون طوال، وهذا السياج تمثل في الأصل أول ما تمثل " بالدائرة الأيديولوجية " التي افتتحها القرآن وعمل النبي [?] ثم وُسِّعت وُضخِّمت فيما بعد من قِبَل العلماء والفقهاء "" ().

وهكذا يريد أركون أن يقف في وجه القرآن ويتصدى له، فالقرآن يُرسِّخ الأدلجة والأسطرة والتقديس "" لأن النصوص جميعاً سواء في ممارسة الحجب والمخاتلة والألاعيب والمراوغة "" () وأركون يريد "" تشكيل معرفة معادية للخداع والأسطرة والأدلجة والتقديس "" ()

فالقرآن "" يغطي على تاريخانيته ببراعة عن طريق ربط نفسه باستمرار بالتعالي الذي يتجاوز التاريخ الأرضي كلياً أو يعلو عليه "" () وأركون يريد أن يكون أكثر براعة من القرآن فيكشف عن هذه التاريخية القرآنية، وهذا يعني أن التقديس للقرآن كان بسب هذه البراعة القرآنية في التغطية على أرضيته. ولكنه يرى في مكان آخر أن "" التقديس للكتب المقدسة خُلع عليها وأُسدل بواسطة عدد من الشعائر والطقوس والتلاعبات الفكرية الاستدلالية، ومناهج التفسير المتعلقة بكثير من الظروف المحسوسة المعروفة أو تمكن معرفتها وأقصد بها الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية ... وهذا التقديس الذي خُلع وأُسدل قد توضحت أسبابه وبُرهن عليها فيما يخص التوراة والإنجيل، ولكنها لم تحصل حتى الآن فيما يخص القرآن. لماذا؟ بسبب الظروف السياسية والثقافية والتربوية للمجتمعات السائدة "" ().

فقداسة القرآن هنا ليست أصلية وإنما دخيلة، وليست جوهرية وإنما سطحية، وليست حقيقية وإنما مصطنعة حصلت لأسباب سياسية وثقافية وتلاعبات فكرية، وأن هذه التلاعبات قد كشفها النقد وتبين زيفها فيما يخص التوراة والإنجيل، أما بالنسبة للقرآن فإن هذا لم يحصل بعد فلا يزال كتاباً مقدساً يحتوي على مساحة كبيرة من اللامفكر فيه، ويأمل أركون أن يتحقق ذلك، فالهدف الأساسي الذي يسعى إليه هو الكشف عن تاريخية القرآن فإذا كان القرآن "" يغطي على تاريخانيته ببراعة "" فإن أركون يريد أن يكون أكثر براعة.

إن القرآن – بنظر الخطاب العلماني لأنه متعالي لا تاريخي – فهو يسيطر على عواطف الناس وعقولهم، ويزيح الموضوعية مقدماً، ويطالب بالتسليم المطلق، ويختار قراءه منذ البداية ()، ويستولي على مشاعر القارئ والسامع بحيث يحاصره في سلفوية ماضوية، فيفصل الواقع عن الإنسان، ويصبح المثال بدل الواقع، ويتغلب التأثر بالعاطفة على الفهم والعقل ().

ولذلك فالخطاب القرآني كخطاب المسيح الناصري خطاب سلطوي محكوم بهدفين: تدمير الخطابات السابقة، وترسيخ الخطاب الجديد ()، ولأن القرآن الكريم كذلك وهو ما لا يريده الخطاب العلماني فإن الهدف الأساسي هو ألَّا نقف عند هذه القداسة القرآنية كما يفعل المحافظون ()، وألَّا ننطلق من هذه الأرضية للنص الديني لأنها "" أرضية خطرة زلقة على كل حال، فللنص حدود تحده، ليس على مستوى اللغة فحسب وإنما على مستوى لحظة حضوره على الساحة أو زمن إنتاجه إن جاز التعبير "" ()، ولأننا "" إذا استمررنا في النظر إلى القرآن كنص ديني متعال -أي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير