تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولذلك يمكن اعتبار التنوير أعظم ثورة في تاريخ البشرية لأنها تربي البشرية على اجتثاث هذه الجريمة (). إن التربية التنويرية هي التي يجب أن تعم بيوتنا ومدارسنا وعقولنا لكي تُنتِج الشعب الشجاع القادر على تجاوز الحدود التي يفرضها المقدس ونبذ الخوف منه ()، لأن المقدس لم يكن إلا فزَّاعة سلطوية " أيديولوجية " () كان النبي [?] يستخدمها لإضفاء المشروعية على تصرفاته لأنه لا بد من مركز تأسيس مقدس ()، حتى أُضفيَت القداسة على كل شيء، وعلى كل ما يُربط بالقرآن الكريم ()، ثم أصبح التاريخ الإسلامي وكأنه تاريخ للقداسة ().

ما هو المطلوب إذن؟

يحلم الخطاب العلماني بجمهور مستعد لتلقي البحوث الأكثر انقلابية وتفكيكية لكل الدلالات والعقائد واليقينيات الراسخة ()، ويحلم بانزياح هذه الأنظمة الكبرى المتمثلة في الأديان من دائرة التقديس والغيب باتجاه الركائز والدعامات التي لا زال العلم الحديث يواصل اكتشافها (). ويأمل أن نصل ذات يوم إلى المستوى الذي بلغة أبو العلاء المعري حين قال:

ولا تحسب مقال الرسل حقاً ولكن قول زور سطَّروه

وكان الناس في عيش رغيد فجاؤوا بالمحال فكدَّروه ().

فالخطاب العلماني يعتبر مقولة المعري السابقة نهاية التنوير ونحن لم نبلغها بعد: "" لأن مقولات التنوير والتحديث والعلمانية لم تؤت ثمارها، بل هي فقدت مصداقيتها وغدت مجرد أسماء يتعلق بها الدعاة المحدَثون كما يتعلق المؤمن باسم ربه "" (). وهكذا – بنظر الخطاب العلماني – أصبح تعلُّق المؤمن باسم ربه فاقداً لمصداقيته، فاقداً لثماره كما حصل مع مشاريعه التنويرية!!.

ولذلك يريد الخطاب العلماني في المرحلة الأولى أن يزحزح القداسة ويحولها من الغيب إلى المادة، حيث تصبح العلمانية ومبادئها هي المقدسات فالديمقراطية والشعب، والحرية والمادة، هي مفردات المقدس العلماني الجديد الذي يتجلى بأشكال مختلفة، والعلمانيون هم اللاهوتيون الجدد، وكتاباتهم هي الكتابات المقدسة التي يجب أن تحل محل الكتب السماوية أما في المراحل المتقدمة من العلمانية فإن المطلوب هو انتزاع القداسة عن العالم والإنسان والنظر إلى كل الظواهر نظرة مادية صرفة لا علاقة لها بما وراء الطبيعة "" وإذا ما تم ذلك فإن العالم " الإنسان والطبيعة " يمكن أن يصبح مادة استعمالية يمكن توظيفها والتحكم فيها وترشيدها وتسويتها وحوسلتها ... ونزع القداسة يؤدي إلى ظهور نزعة إمبريالية لدى الإنسان فهو ينظر إلى العالم باعتباره مادة نافعة له يمكنه توظيفها لحسابه "" ().

ولكن هل يمكن للإنسان أن يتخلص من المقدس في هذه المرحلة كما يتصور الخطاب العلماني؟ يعترف الخطاب العلماني بأن المقدس نمط لوجود الإنسان، بل إنه شكل أو بعد من أبعاد الدنيوي، فالإنسان يعيد إنتاج المقدس بأشكال جديدة وهو يمارس دنيويته () لذا لا يمكن التخلص من المقدس "" لأن البحث عن المقدس أساسي بالنسبة للإنسان إذ يبدو أن الإنسان لا يمكنه أن يواجه عالماً من الصيرورة الكاملة، والحياد الكامل لا مركز له ولا معنى ولا أسرار فيه، ولذا فهو دائم البحث عن مركز ومعنى، يحاول دائماً أن يستعيد القداسة لعالمه، وهذا يعود إلى أن الإنسان ليس مجرد إنسان طبيعي " مادي " مجموعة من العناصر البيولوجية، وإنما يوجد داخله ما يميزه عن الطبيعة / المادة "" ().

المبحث الثاني

انتهاك قداسة القرآن

أولاً – الأنسنة ونزع القداسة:

القرآن الكريم - بنظر الخطاب العلماني – "" أنطولوجيا " متعالية، راسخة ()، "" فالخطاب القرآني يعلن الحقيقة المطلقة عن العالم والمخلوقات والتاريخ بكل الهيبة والسيادة الخاصة بمؤلفه الله الواحد الأحد المهيمن الجبار "" (). و"" لقد رسخ القرآن مراتبية هرمية أو طبقية أنطولوجية ذات مستويين: الأول والأعلى هو مستوى المطلق التنزيهي المتعالي، والمستوى الثاني هو مستوى التجسيد التاريخي والعمل التاريخي المحسوس "" أي العمل النبوي ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير