تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد أجاب القرآن الكريم عن هذا السؤال فطلب من القارئ أن يتدبر ?أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ? () وذكر القرآن كل الانتقادات التي وُجِّهت إليه دون أن يخشى شيئاً منها، وهي لا تزال تُتلى إلى اليوم فقالوا عنه بأنه سحر، أو شعر، أو كهانة، أو افتراء أو أساطير، أو أضغاث أحلام، إلى آخر ذلك. وتعلم المسلمون من ذلك فكانوا من أشد الأمم نقداً لكتابهم، فما من مفسر إلا ويقارن بين الآيات، ويفترض الاعتراضات والإشكالات، ويضع نفسه على أنه خصم للقرآن، والرازي أبرز دليل على ذلك في تفسيره مفاتيح الغيب وفي كل كتبه، والزمخشري كذلك، والباقلاني وغيرهم.

لكن النقد في المفهوم العلماني حتى يكون نقداً يجب أن يخرج بنتائج مناقضة للقرآن ومضادة لتعاليمه، فكل نقد يرسخ المعاني القرآنية ويؤكدها هو نقد تقليدي أيديولوجي تبجيلي، أما النقد الذي يرفض بعض العقائد القرآنية أو يسخر منها أو يستهزئ بالقرآن الكريم فهو الذي يسمى نقداً تنويرياً.

ولابد من القول هنا: إن عملية الحياد أو الموضوعية غير ممكنة لأن الحياد والموضوعية تابعان للاعتقاد والاعتقاد انفعال وليس فعلاً – ولا يخلو الإنسان من اعتقادٍ ما أياً كان هذا الاعتقاد - فلا يمكن لإنسان مسلم أن ينقد القرآن ويخرج بنتائج تعارض تعاليمه الأساسية الواضحة المجمَع عليها، يمكنه أن يخرج بنتائج جديدة فيما هو خاضع للاجتهاد، أو أن يُحسن تنزيل الآيات على الوقائع والمستجدات الطارئة، أما من يقول إنه مسلم ثم ينسف كل تعاليم القرآن بانتقاداته أو يحرفها أو يناقضها فهو إما متشكك أو منخلع من ربقة الإسلام ويُظهر الإسلام نفاقاً.

إن المسلمين على مر التاريخ يرحبون بانتقادات الخصوم الذين لا يؤمنون بالقرآن ولا يدينون بالإسلام، والمؤلفات التي كتبت في الرد عليهم كثيرة جداً وتحتوي على كل ما تعلق به أولئك الخصوم، بل إن المسلمين يعرضون شبهات الخصوم أفضل من عرضهم هم أنفسهم لها، أفليس هذا هو منهج النقد؟ ولكن ما دام المسلم مسلماً يعتقد أن كتاب الله ?لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ? () فلا بد له من بيان تهافت الانتقادات وبطلانها، أما أن يجمع الإنسان بين الإسلام من جهة، والاعتقاد باحتواء الإسلام على أباطيل أو تناقضات من جهة أخرى فإن هذا لا يجتمع إلا في أشخاص المنافقين والزنادقة.

إن النقد في المفهوم العلماني هو النقد بمفهوم الحداثة وما بعد الحداثة، والذي لا يعتد بقائل النص بل ولا يعتد بالنص أصلاً، وإنما يعتد بقدرة القائل على التحريف والتقويل، مع ضرورة استبعاد " الماورائيات " فالنقد الحداثي أصلاً مرتبط بالفلسفات المادية والإلحادية ويقوم على اعتقاد وليس كما يزعم أصحابه ينطلق من حياد، لأن الزندقة والإلحاد نوع من الاعتقاد السلبي هذا الاعتقاد السلبي له دوره الخطير في توجيه عملية النقد ().

ومن هنا فإن النقد في الخطاب العلماني يجب أن يقوم على الهدم والتشكيك والنقض والتفكيك لأن خلفيته الفلسفية تقوم على هذه الأسس، وكل نقد ينطلق فيه الباحث من إيمان واعتقاد إيجابي، ويخرج بنتائج متلائمة مع هذا الإيمان ومتساوقه معه فإنه بنظر الخطاب العلماني يعتبر نقداً تقليدياً وهكذا ينظر الخطاب العلماني إلى الكتابات الإسلامية:

- فكتاب مالك بن نبي " الظاهرة القرآنية "" كتاب سطحي جداً "" (). وكتاب موريس بوكاي " التوراة والإنجيل والقرآن والعلم " "" كتاب تبجيلي هزيل جداً "" (). ومثله كتاب روجيه جارودي " وعود الإسلام " "" كتاب هزيل أيضاً " (). هذه الكتابات التبجيلية بنظره تلقى رواجاً واسعاً لدى الجمهور ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير