تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هل يجوز لهم الإضافة والحذف أو التحريف والتبديل، ثم كيف لهم أن يقسروا لغة على ما ليس فيها قواعدياً ولغوياً وفكرياً؟ تلك بعض من أسئلة أولى تراودنا عندما نترجم، تتوالد وتزداد عندما نعلو ونحترم المرسل والمستقبل ونحترم الرسالة التي نحن بصدد نقلها ضمن شعور تام بالمسؤولية تجاه أمانة إبلاغ الكلمة ...

إن التوغل في جوهر عملية الترجمة والوقوف على سره واكتشاف الثوابت التي تتعدى اللسان المعين إلى اللغة كظاهرة إنسانية مشتركة أمر غاية في الأهمية ولأن الترجمة .. كما يقول جورج مونان "في الشرق كما في الغرب بدأت دينية أي تناولت ما يتصل بالدين والمباحث الدينية" لما لذلك من أهمية بالغة في حياة الإنسان لمعرفة نفسه والكون من حوله ولأن الدين لما يستنفد أغراضه في هذه الحياة ونعتقد أنه لن يستنفدها ... وحتى لا تمسي أعمالنا في الترجمة عبثاً ينبغي البحث الدؤوب لنقل ما يهم هذا الإنسان في كل محاوره المادية والفكرية ولسبر ما يرافق النصوص المطروحة من معان وظلال وأسلوب، ولنعلم أن غاية الترجمة هي أن تعفينا من قراءة النص الأصل وأن تجعل النص الموضوع يبقى إياه بعد ترجمته من حيث مطالب المنطق لأن محافظة النص في اللغة الهدف مع كل ما في النص المصدر أمر في غاية الصعوبة من الناحية العملية وذلك لأسباب عديدة تتعلق بالمرسل والرسالة والمتلقي وبذلك يصبح المترجم بآن واحد متمثلاً دور الناقل الحيوي فهو متلق ومرسل لرسالة تعبر عن فكر سواه كمرسل أول وتأخذ منها في فكر مستقبل الترجمة بالإضافة إلى سمتها الفنية علماً قائماً بذاته؟ ... وهذا ما يدفعنا إلى السؤال الملح ما هي معايير الترجمة السليمة؟ لنستمع إلى ما يقول ماروزو Marouzeau ([3]):" يجب أن تنقل الترجمة المعنى، كل المعنى ولا شيء سوى معنى النص الأصلي. إنه أمر بديهي، إنه المقتضى الأدنى، لكن على الترجمة أن تنقل المظهر أيضاً، يجب أن تنقل إلى أقصى حد ممكن المظهر البنيوي، أي أن عليها أن تتيح للقارئ تكوين فكرة تقريبية على الأقل عن اللغة المنقول عنها، عن خصوصيات مفرداتها وبنائها وطريقتها في المطابقة بين العبارة والفكرة، ويجب أن تنقل المظهر الأسلوبي، أي النوعية والمستوى: شكل عادي، طريف، مهمل، وصفي مبتذل، خطابي، فني شاعري " ... وهذه المعايير تثير – كما يقول جورج مونان ([4]) مسألتين رئيستين هما مسألة الاصطلاحات ومسألة التراكيب، ولكل منها دراسات متسعة في مظانها.

ونجد المعنى ذاته في تعريف الترجمة في قاموس الألسنية ([5]): الترجمة هي " ذكر - في لغة أخرى (أو لغة الهدف) - ما كان مذكوراً في لغة (مصدر) مع الحفاظ على المعادلات الدلالية والأسلوبية " traduire: c'est énoncer dans une autre langue (ou autre cible) ce qui a été enoncé, dans une langue source, en concernant les équivalences sémantiques et stylistiques.

لنر الآن ماذا يحدث للمترجمين مشاة جيش الكتاب " كما يسميهم دومنيك أوري Dominique Ouri هل سيدخلون قلعة الترجمة بسهولة أم أنهم يتساقطون واحداً تلو الآخر أمام قلاع النصوص العليا إلهية الإرسال قبل تحريف الكثير مما فيها؟

لقد نقل القديس جيروم Saint Jérome بعض المعاني معكوسة عندما ترجم الكتاب المقدس.

كما اكتُشِفَت لدى أميو Amio معان معكوسة، ولدى بودلير Beaudeliue معان خاطئة عندما كان ترجم آلان بون وها هو أندريه جيد André Gide الكاتب الفرنسي المتضلع بالانكليزية يترجم لشكسبير ترجمات لا تشبه مؤلفات شكسبير، ومهما كانت الحواشي في أسفل الصفحات فإن تلك الحواشي عار على المترجم كما يقول " دومنيك أوري ".

"إذن لابد من توفر الكثير من الكفاءات من أجل الترجمة الجيدة - كما يقول روجيه ارنالديز ([6]) - أي لا بد من معرفة اللغة المصدر واللغة الهدف والعلم أو العلوم التي تعالجها الرسالة بالطريقة التي تسمح بالفهم الدقيق لما يريده المرسل (في اختصاصه). وفي هذا الصدد يقول الجاحظ: " على المترجم أن يدرك الموضوع بقدر إدراك الكاتب له " وتقول مريم سلامة كار ([7]) " على المترجم أن يزول أمام ترجمته وأن يكون مخلصاً للنص الأصلي ودون أن يؤثر ذلك في ترجمته. اهـ. وكلما كان الموضوع صعب المنال أثار تحليل النص مشكلات أمام المترجم مما يجعل الترجمة أكثر صعوبة ومما يستدعي كفاءة لغوية أكبر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير