تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

معاني القرآن وتأويلاته التي سألت عنها.

س: إذا كان نزول القرآن فرَق التاريخ إلى قسمين هما ما قبل وما بعد النزول، فما الذي يفرق بين مرحلتي التفسير التقليدي والقراءات المعاصرة للقرآن الكريم؟ أو ما هي أهم الأحداث الفكرية والتاريخية التي ساهمت في بلورة التوجهات الجديدة لتفسير القرآن الكريم؟

الحقيقة أن تاريخ التفسير تواريخ وليس تاريخاً واحداً، ورغم أنه من التجاوز وضع التفسير التقليدي كما لو أن له تاريخ واحد، أو كما لو أن مفهوم التقليدي واضح، لكن مع ذلك .. فإن المسار من "التفسير التقليدي" إلى "القراءة المعاصرة" مرَّ عبر مرحلة وسيطة هي "التفسير المعاصر"، وقد شرحت في دراسة سابقة لي بعنوان " أيديولوجيا الحداثة في القراءة المعاصرة للقرآن" مميزات المرحلة الوسيطة هذه، سأعتبر ابتداء أن "التفسير التقليدي" يعتمد على نسق ثقافي ومعرفي ينتمي إلى الحضارة الإسلامية، فهو تفسير لا تدخله أي معارف جديدة، وبالتالي فإن تصوراته للعالم (فيما دون المستوى العقدي) تنتمي إلى عالم آخر، إلى التاريخ بصراعاته وخلافاته، وهذا يفسر استمرار حضور التاريخ الفكري (المذهبي وربما السياسي) في كل ما يمكن وصفه بالتفسير التقليدي بهذا المعنى، إنه التفسير الذي لا يتصل منهجياً بالمعرفة الغربية الحديثة أو المعاصرة. "التفسير العصري" ولد بتأثير استعارة من نتائج المعرفة الغربية الحديثة، لكن دون الاستفادة من المسألة المنهجية، وهو يعود تاريخياً إلى المدرسة الإصلاحية (جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده)، لكنه ما اكتسب اسم المعاصرة حتى سك "مصفى محمود" (في مصر) تعبيره "التفسير العصري" في السبعينيات من القرن المنصرم، والمتابع للتفسير العصري لا يجد تحولاً على المستوى المنهجي، ما تزال الآلية والأدوات المستخدمة في التحليل والتفسير هي هي، ولكن الذي تغير هو تصور المفسِّر للعالم ( Weltanschauung) أو ( World View)، ومن الواضح أن الأدوات المنهجية التقليدية لم تساعده على إسقاط رؤيته الجديدة للعالم المتأثرة بقوة بالتصور الأوربي له، لهذا جاءت تأويلاته في كثير من الأحيان متعسفة، ولم يستطع تقديم تفسير متكامل للقرآن، فهو لن يستطيع بأدواته سوى تكرار ما قيل، لكن ما استطاع القيام به هو إجراء تأويلات على تلك الآيات التي تتصل بتصوره الجديد عن العالم. أما "القراءة المعاصرة" فهي شيء جديد كلياً، جديد على مستوى الأدوات والمناهج؛ إذ يحيلنا مصطلح "القراءة" إلى اللسانيات الحديثة، واللسانيات هي في المحصلة مناهج ونظريات تمثل بمجموعها أدوات بحث، يضاف إلى هذه الأدوات تصور جديد للعالم ليس هو التصور الذي وجد في "التفسير العصري"، بل هو تصور راهن متأثر بحصيلة التصور الغربي وحداثته للعالم كما انتهى إليه اليوم، تعود بدايات ظهور القراءة المعاصرة إلى الأربعينيات مع "مدرسة الأمناء" في مصر، وقد يكون الفضل للكاتب السوري "محمد شحرور" سك مصطلح "القراءة المعاصرة" نظراً لما أثارته قراءته من ضجيج، وبذلك أصبحت القراءة المعاصرة قادرة على قراء القرآن بشكل كلي، لكن المشكلة ـ كما يبدو لي ـ أن "القراءة المعاصرة" (كنظرية لا كتطبيق) أصبحت غير قادرة على قراءة تامة لكل النص، كما هو الحال في التفسير التقليدي، فمفهوم النص أصبح مختلفاً، وحديث اختلاف "مفهوم النص" حديث طويل. وأعتقد أنني أجبت ضمناً على الشق الثاني من سؤالك. س: ما هي الإضافات الحقيقة التي قدمتها القراءات المعاصرة سواء من حيث المقاربات المنهجية أو من حيث الكشوفات المعرفية؟ وما مدى العلاقة بين الواقع التاريخي والنص القرآني؟ أريد أن أميِّز هنا بين "القراءة المعاصرة" كنظرية، و"القراءة المعاصرة" كتطبيق، فما قدمته القراءة المعاصرة كتطبيق أكثره أيديولوجيا وليس معرفة علمية، وغالباً أيديولوجيا ماركسية تاريخانية متزمتة، لهذا فإن بين الكثير الذي كتب تحت عنوان القراءة المعاصرة لا نعثر على محترمة تقدم معرفة جديدة، نعم نعثر على الكثير من القراءة الاستفزازية، وخصوصاً قراءة "محمد شحرور"، مع ذلك فإن الشيء المهم الذي قدمته القراءات المعاصرة للقرآن أنها استنفرت الباحثين والدارسين للقرآن للاطلاع على المناهج اللسانية الحديثة، لتتحول مسألة القراءة المعاصرة إلى مسألة حاجة تاريخية، وليست مرتعاً للأيديولوجيات المريضة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير