تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما سؤالك عن العلاقة بين الواقع التاريخي والنص القرآني فهو سؤال عن أخطر القضايا المتعلقة بالقرآن، ولا يتسع المجال هنا لمناقشتها، لقد أدى بي البحث في هذا الموضوع إلى الخلاصة التالية: إننا أمام افتراض إيماني بأن هذا النص إلهي ويحمل رسالة خاتمة، وهذا يقتضي أن تكون أحكامه فوق تاريخية، أي تحكم التاريخ ولا تحتكم إليه، وانطلاقاً من ذلك إذا لم يُحِلْ النص من داخله إلى تاريخية مفاهيم أو أحكام ما فإنه يبقى على الأصل، أي فوق تاريخي، وهذا عموماً متعلق بالأحكام، والصيغ التي ترد فيها الأحكام عموماً لا تشي بأي تاريخية، وفي هذه المسألة بالذات فإن أي تاريخية يمكن أن تقال هي في الواقع من خارج النص، ومادام النص لا يبوح بها، فليس ملزماً بها. أركون أما ما يرد بشكل واضح وصريح من الأحداث وبعض الأحكام، فهو كما أشار إليه النص، حقائق تاريخية محددة الأشخاص والأزمنة والأمكنة ... الغريب أن المسألة معكوسة لدى الحداثيين العرب الذين يزعمون تقديم قراءة معاصرة للقرآن، فهم يجعلون الأحكام تاريخية ويخرجون الأحداث عن سياقها التاريخي تحت مزعم "الرمزانية" و"الأسطرة"! كما لو أنهم يقدمون قراءة مضادة أيديولوجياً، هم مسكونون بدون شك بمواجهة النص الديني وإزاحته عن طريقهم انطلاقاً من رؤية وضعية حداثوية.

س: الفرق بين التفاسير القديمة مثل تفاسير الطبري /القرطبي/ابن كثير ... أو حتى التفاسير المعاصرة مثل الظلال/ صفوة التفاسير/ المنار ... وبين القراءات المحدثة مثل قراءات الحاج حمد/أركون/أبو زيد ... يكمن في كون القراءات المحدثة تم الاختلاف عليها بشكل كبير جدا إلى حد رفضها بالمجمل عكس التفاسير السابقة لها؛ إذ نجد اتفاق شبه عام حولها على الأقل من حيث المنهج، هذا إضافة إلى كون جل التفاسير المحدثة تفاسير جزئية غير متفرغة تماما لإتمام التفسير وهو ما يعاكس تماما نهج التفاسير القديمة الكاملة للقرآن الكريم، إلى ماذا يرجع الأمر؟ أم أن المعاصرين أصبح عاجزين حقا عن تتبع القرآن كلية؟

الاختلاف في المناهج في القراءة المعاصرة يرجع إلى سببين:

الأول: الاختلاف الهائل في العلوم التي تستند إليها هذه المناهج، فمن يقرأ البحث اللساني والعلوم الاجتماعية المتولدة عنه سيكتشف حجم الاختلاف، ولكن من المفترض أن يؤدي هذا الاختلاف إلى زيادة في الفهم، وليس إلى تناقض محتَّم كما هو حاصل غالباً؛ لأن التعدد المنهجي يفترض تعدد زوايا الرؤية.

هذا يقودني إلى السبب الثاني، فالأيديولوجيا المستفحلة في القراءة المعاصرة هي السبب الأساسي لتحوُّل التعدد المنهجي إلى تصارع منهجي وتصارع في القراءات ونتائجها. لكن أيضاً ـ كما أشرت سابقاً ـ إن تغير مفهوم النص وتعدد الأدوات وطرق البحث في القرآن من أصغر وحداته الدلالية إلى جملة بنيته النصية فالخطابية جعلت قراءة القرآن كله أمر غير ممكن نظرياً ألبته، الممكن الوحيد في القراءة المعاصرة هو كشف وتحليل جزء من الخطاب الكلي، وبالمناسبة الميزة الكبيرة للقراءة المعاصرة هو اتجاهها نحو الخطاب الكلي، وليس المعنى الجزئي، وعبر وسائل لم يكن مفكراً فيها من قبل ألبته. حاج حمد

س: إذا اخترنا دراسات كل من الحاج حمد في العالمية الثانية/والمنهجية المعرفية في القرآن، و أركون في تحليل الخطاب القرآني، نجد أن الأول متهم بالغنوص وادعاء النبوة والثاني متَّهم بمحاولة أنسنة النص القرآني أي معادلته بالنصوص التي يكتبها البشر، ما رأيكم في الاتهامات؟ وكيف ترون إسهامات كل من الرجلين؟ وما هو التصرف الذي ترونه الأمثل حيالها؟ أهو الإقصاء مثلاً؟ ..

هذه الاتهامات فيها بعض الصحة، لكنها تعمم أكثر من اللازم، بالنسبة لأبي القاسم ـ رحمه الله ـ فإن دراسته (العالمية الإسلامية الثانية) موغلة في بعض الأحيان في التصوف، لكن هذا الإيغال على وضوحه لا يشكل جزءاً مهماً من أطروحته، إن أطروحته فريدة دون شك، ومثيرة، لكن المنهجية التي قامت عليها فيها مشكلات عديدة، وهو لم يلتزم بها أصلاً، فنفي الترادف والاشتراك والمجاز على مستوى التحليل الغوي، ثم التأثُّر بالرؤية الماركسية لحركة التاريخ ولكن في إسقاط اجتماعي ديني (الآدمية، العائلية، القومية، العالمية) كل هذا يجعل من الموضوع يحتاج إلى كثير من التريث، على مستوى المنهج المشكلة عميقة وجوهرية، ولو أننا قمنا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير