تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[21] وعليه ألا يقصر في تنبيه الخصم وإعلامه بما يرى من مناقضاته في كلامه, وهكذا إذا رجع فيما سلم, نبههه عليه, لآنه إن لم يفعل ترك معظم المقصود من الجدل. وهو نصرة الحق.

[22] ولا تواخذ الخصم بما تعلم أنه لا يقصده من أنواع الزلل, بل تعلم أنه لسبق اللسان ولما لا يخلو المتكلم منه. فإن أشكل عليك قصده في ذلك نبهته, فإن قال: هو سبق اللسان ولم أقصده, تجاوزت ذلك, وإن علمته مقصودا منه واخذته به.

[23] و لا تورد في كل موضع من الكلام إلا قدر ما تحتاج إليه.

[24] ولا تقدم جواب ما لم يرد عليك سؤاله.

و ليس للمجيب مع السائل إذا ألزمه منوالا إلا أحد ثلاث:

- إما الانقياد أو الإسقاط أو الإعراض:

[أ] فأما الانقياد: فكل موضع ورد عليه ما يؤثر في كلامه ودليله فعليه الانقياد لا محالة, لأنه قد انكشف بسؤاله خطؤه فيما قال.

[ب] وأما الإسقاط: فهو أن تبين خطأه في سؤاله وتلبيسه والتباسه فالوجه فيه على كل حال إسقاط ذلك السؤال.

[ج] وأما الإعراض عن مكالمته: فهو إذا عدل السائل عما يورد في كلام المجيب أو ما يشتبه ويلتبس, فلا وجه إلا الإعراض عن مكالمته لأنه إنما يجوز للسائل أن يورد من الكلام ما يقدح في كلام المجيب أو ما يتوهم كونه قادحا, فيكون شبهة. ولا ثالث لهذين إلا المعارضة أو الاستعجال بما يعلم السائل من نفسه بطلانه, وأي ذلك كان فلا وجه لمكالمته.

[25] وأحسن شيء في الجدال المحافظة من كل واحد من المتجادلين على أدب الجدل.

ومما يعود بنفع على صنعة الجدل:

* محافظة كل من المتجادلين على مرتبته ويعلم أن مرتبة المجيب التأسيس و البناء فلا يتعدى عن هذه المرتبة إلى غيرها, ومرتبة السائل الدفع والهدم.

*1 - فحق المجيب أن يبني مذهبه الذي سئل عنه على أساس قويم وأصول صحيحة من الأدلة وغيرها.

*2 - وحق السائل أن يكشف عن عجز المسؤول عن بناء مذهبه على أصل صحيح. أو بيان عجزه عن الخروج مما ألزمه مما له من القول الفاسد, ومتى تم للسائل هذا فقد استعلى, ويكفيه عن الاشتغال بأمر زائد.

*3 - وإن تم للمجيب -بما أقام من البرهان على ما دعاه- تعجيز السائل عن القدح فيما أقام بنقض أو معارضة, أو اشتراك فيماأقام, فقد استعلى المجيب وانقطع السائل.

*4 - وعلى المجيب أن يتأمل ما يورده السائل على كلامه, حتى إن كان فيه شبهة توهم القدح فيما بناه, وجب عليه الكشف بالجواب, ليزول الإيهام. وإن كانت الشبهة مما لا يوهم ولا يبين منها هدم ما بناه لم يلزم المجيب الكلام عليه في حق الجدل, فإن فعل وكشف عنه كان متبرعا.

*5 - وعلى السائل أن يتأمل انفصال المجيب عما ألزمه إياه, فإن كان فيه ما يوهم تحقيق ما بناه أولا, كلمه السائل, وإن لم يكن فيه تحقيق ما بناه, لم يلزم السائل الكلام عليه, بل له أن يسكت عنه, فإن اختار الكشف عن تمويهه, كان متبرعا.

[26] وعليهما أن ينصفا في حكاية كل واحد منهما كلام صاحبه من غير زيادة ولا نقصان إلا فيما يرجع إلى حذف حشو الكلام وزيادة في الكلام لا يعود بتحصيل في معنى ولا فائدة.

[27] و لايستحقر أحدهما صاحبه بما يقع له من الخطأ في مذهب أو دلالة أو غير ذلك, فإنه إذا اغتر بخطئه ربما أصاب الخصم فيما لاخروج لمناظره عنه, واستحقار الخصم كاستحقار يسير من النار فإنه ينتشر من يسيرها ما يحترق به كثير من الدنيا.

[28] والمحافظة على تقوى الله أثناء المناظرة مما يغني المناظر عن كثير من النصيحة ويبلغه إلى أسهل الطرق في الهداية إلى الحق.

وللكلام بقية إن شاء الله تعالى فقد والله افتقدنا المشاركة معكم في الملتقى.

ـ[سمير القدوري]ــــــــ[27 Nov 2006, 08:17 م]ـ


لا يتوصل استدلالا لمعرفة حقيقة إلا بالبحث, وهو قد يكون عن فكر فرد وقد يكون عن تذاكر من اثنين, فإما من معلم إلى متعلم وإما من متناظرين مختلفين باحثين وهذا الوجه من أحسن ما يتوصل به إلى بيان الحقائق لكثرة التقصي فيه.

- لا بد في أول السؤال عن أي شيء- مما يراد إدراكه بالدلائل- من سؤالات أربعة ولكل واحد منها نوع من الجواب.

[1] فأولها السؤال بهل, فتقول مثلا: هل هذا الشيء موجود أم لا؟ , وهل أمر كذا حق أم لا؟

فلا بد للمجيب (المسؤول) حينئذ من جواب بلا أو نعم.

-- فإن قال لا أو قال لا أدري سقط السؤال عنه على كل حال.
وعلى من أراد إلزامه الإقرار بأمر ما أن يبينه له ويثبته لديه, إذ الواجب ألا يصدق أحد بشيء لم يقم عليه دليل وأن يصدق به إذا قام عليه الدليل.
ويسمى متبرعا كل من أبطل بالبراهين ما أثبته مثبت بلا برهان. إذ المثبت للشيء بلا برهان يكون مدعيا والدعوى ساقطة حتى يصحبها البرهان فيكون مبطلها بالبراهين متبرعا إذ لا يلزمه ذلك.

-- وإن أجاب المسؤول بنعم -واعتبر السؤال مما يصح سؤاله- نسأله حينئذ بالمرتبة الثانية:

[2] وهي السؤال: بما هو؟ أي حدد لنا ما ذلك الشيء وبين لنا رسمه أو ما يمكن أن تخبرنا عنه من صفات ذاته الملازمة له.
فإذا أخبرنا عنه, نسأله بالمرتبة الثالثة:

[3] وهي السؤال بـ: كيف؟ أي هذا الذي حققت وجوده كيف حاله أو هيئته.
فإذا أخبر بما نريد منه سألناه بالمرتبة الرابعة:

[4] وهي: لِمَ؟ فيقال له: لم كان ما أثبتت كما وصفت؟ وما برهانك على صحة ما ادعيت مما ذكرت؟

ولا سؤال عليه بعد جوابه عن المرتبة الرابعة إلا أن يدعى عليه التناقض أو النقض ففي هذه المرتبة يقع الاعتراض وطلب الدلائل وإبطالها.

واعلم أن المسؤول بما؟ وبكيف؟ وبلم؟ مخير في الجواب, يجيب بما أمكنه مما لا يخرج به عن مقتضى السؤال الذي ألقاه عليه السائل, ولكن الازم في السؤال بما؟ أن يخبر سائله بحد (تعريف) الشيء المسؤول عنه أو رسمه, وإذا سئل بكيف هو؟ أن يجيب بأحوال الشيء العامة له ولغيره أو الخاصة له الشائعة في نوعه أو ما يخصه به من غيره هذا إذا كان الشيء المسؤول عنه شخصا.
وإن سئل بلم؟ أن يجيب بالعلة الموجبة لكون ما أخبر بكونه, ويرسم العلة بما لايشاركها فيه غيرها, وينبغي أن تكون العلة لازمة لما استدل عليه بها.

فكيف ترتب الأسئلة في المناظرة إذا؟ هذا ما سنبينه في حلقة قادمة بحول الله.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير