العرب وفقا لهذا الرصد موجة متأخرة جدا من موجات بشرية هبطت شبه الجزيرة العربية من القوقاز والمنطقة المحيطة ببحر قزوين والبحر الاسود قبيل بداية الالف الاولى قبل الميلاد. ولعل عدم اقامتهم بالعراق أو الشام يعود الى وجود أقوام مستقرة أكثر قوة وتحضرا فذهبوا الى الفراغ الكبير في شبه الجزيرة العربية حاملين لغتهم القوقازية.
ويرجح الكاتب أن العرب هبطوا شبه الجزيرة على سكان "أصليين" منهم الهكسوس المطرودين من مصر في القرن الخامس عشر قبل الميلاد حيث نقل الهكسوس الى شبه الجزيرة ما حملوه من مصر من معتقدات دينية ورواسب لغوية مضيفا أن المرحلة الهكسوسية ربما تمثل مرحلة الجاهلية الاولى.
ويضيف أن العبادات المصرية القديمة لم تكن مجهولة في شبه الجزيرة العربية في الجاهلية.
ويشير الى أن في مخالطة العرب بعد أن جاءوا بلغتهم ومعتقداتهم القوقازية للسكان الاصليين تفسيرا لوجود "كثير من الالفاظ المصرية القديمة في اللغة العربية القرشية التي تسلمناها عن العرب بعد الفتح العربي وبهذا وحده نستطيع أن نفسر الاثار الواضحة للديانات المصرية القديمة ومصطلحاتها في لغة الجاهلية القريبة وفي بعض معتقداتها الدينية."
ويعتبر المؤلف أن التفاعلات اللغوية في هذه المنطقة خاصة في لغة قريش كانت سببا في انضاج اللغة العربية ومنحها مرونة وخصوبة أهلتها أن "تكون وعاء لوحي عظيم في عصر الرسول وأداة صالحة للتعبير الفكري العميق حتى عصر ابن خلدون نحو 1400 ميلادية مما أهلها أن تقهر بعض ما جاورها من اللغات تماما كما قهرت اللاتينية عديدا من لغات أوروبا التي فتحها الرومان حتى نهاية العصور الوسطى."
ويرى عوض أن العربية لغة محدثة "وأنها لم تكن لغة ادم في الجنة الاولى ولا كانت مسطورة في اللوح المحفوظ قبل بدء الخليقة."
كما يرى أن سكان شمال افريقيا وبينهم المصريون ينتمون سلاليا الى عنصر غير عربي ورغم ذلك قبلوا اللغة العربية حين قبلوا ثقافة الاسلام "بل ان أقباط مصر الذين لم يقبلوا ثقافة الاسلام قبلوا اللغة العربية لانها غدت لغة مصر القومية وحين واجهوا مشكلة الاختيار بين الوحدة القومية في اللغة والانشقاق القومي باللغة اثروا الوحدة على الانشقاق."
ويضيف أن المصريين المسلمين لم يأخذوا اللغة العربية بحرفيتها وانما مزجوها بألفاظ قبطية تنتمي الى اللغة الديموطيقية وهي العامية في مصر القديمة.
ويشير عوض الى أن التكوين الاساسي للفكر الاسلامي بني على عمادين هما مدرسة الاسلام ومدرسة العروبة. وتعطي الاخيرة قداسة وشرفا للعربية وللعرب على غيرهم لحكم العالم الاسلامي وكان أول مظاهر الاحتجاج على الربط بين العروبة والاسلام هو الانشقاق على الخلافة متمثلا في حركتي الشيعة والخوارج حيث رأت الاخيرة أن الامارة ليست وراثية وانما لمن تختاره الجماعة ولو كان عبدا أسود.
أما الشيعة فاحتجوا "على حكم قريش والعرب للدولة الاسلامية فقد قبلوا الاسلام دينا ولكنهم رفضوا الحكم العربي دولة ... قامت عقيدة الشيعة السياسية على أن الامامة وراثية في أهل بيت الرسول وهو مبدأ غريب على أصول الحكم في الاسلام وعلى أصول الحكم عند العرب أنفسهم."
ويرصد الكاتب الاختلافات بين الطرفين باعتبار الشيعة دعاة حق الهي والخوارج دعاة حق طبيعي مشيرا الى أنهما "كانا يلتقيان في شيء خطير أخطر ما يكون وهو الثورة على الحق العربي وعلى السلطة العربية اللذين قدمهما بنو أمية بنو قريش كبديل للحق الديني الهيا كان أو انسانيا ليثبوا به أن العرب أولى من غيرهم من المسلمين بحكم أمة المسلمين بدعوى أن النبي عربي قرشي وبدعوى أن القران نزل بلغة العرب وبلهجة قريش ... نظرا الى حكم بني أمية على أنه فترة الاستعمار العربي باسم الدين واللغة لما فتحه المسلمون لا العرب وحدهم من أمصار غير عربية دخلت الاسلام وتكونت منها الامة الاسلامية. فهي بهذا المعنى حركات قومية تحررية أو شعوبية كما كان يقال بلغة ذلك الزمان."
ويرى الكاتب أن الصراع بين العرب والشعوب التي حكموها باسم الاسلام اتخذ أقنعة أيديولوجية متعددة فأصحاب نظرية تقديس اللغة العربية نقلوا فكرة اعجاز القران الى فكرة اعجاز اللغة نفسها وهي النظرية التي سخر منها الشاعر أبو العلاء المعري.
¥