قرأه ابن كثير، وأبو عمر " دارست " بألف بعد الدال مع إسكان السين وفتح التاء من المفاعلة
بمعنى: دارست أهل الكتاب ودارسوك حتى حصلت هذا العلم.
وقرأه بقية السبعة غير ابن عامر " درست " بإسقاط الألف، مع إسكان السين وفتح التاء أيضًا، بمعنى درست هذا على أهل الكتاب حتى تعلمته منهم.
وقرأه ابن عامر " دَرَسَتْ " بفتح الدال والراء والسين وإسكان التاء على أنها تاء التأنيث، والفاعل ضمير عائد إلى الآيات المذكورة في قوله {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ}.
قال القرطبي: وأحسن ما قيل في قراءة ابن عامر أن المعنى: ولئلا يقولوا انقطعت وانمحت، وليس يأتي محمد صلى الله عليه وسلم بغيرها. اهـ.
وقال القرطبي:
{وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} الواو للعطف على مضمر أي نصرف الآيات لتقوم الحجة وليقولوا درست وقيل: {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} صرفناها.
قال مقيده: عفا الله عنه ومعناهما آيل إلى شيء واحد ويشهد له القرآن في آيات كثيرة دالة على أنه يبين الحق واضحًا في هذه الكتاب ليهدي به قومًا، ويجعله حجة على آخرين كقوله {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} وقوله {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ}، وقوله: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} كما قال هنا {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فالأشقياء يقولون: تعلمته من البشر بالدراسة وأهل العلم، والسعادة يعلمون أنه الحق الذي لا شك فيه.
وقال العلامة الشنقيطي في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ اَنَّهُمْ يَقُولُونَ اِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}. اقسم جل وعلا في هذه الاية الكريمة: انه يعلم ان الكفار يقولون: ان هذا القران الذي جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم ليس وحيًا من الله، وانما تعلمه من بشر من الناس.
واوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله: {وَقَالُوا اَسَاطِيرُ الْاَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَاَصِيلاً}، وقوله: {اِنْ هَذَا اِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} اي يرويه محمد صلى الله عليه وسلم عن غيره، وقوله: {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ}. كما تقدم (في الانعام).
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا البشر الذي زعموا انه يعلم النَّبي صلى الله عليه وسلم، وقد صرح القران بانه اعجمي اللسان. فقيل: هو غلام الفاكه بن المغيرة، واسمه جبر، وكان نصرانيًا فاسلم. وقيل: اسمه يعيش عبد لبني الحضرمي، وكان يقرا الكتب الاعجمية. وقيل: غلام لبني عامر بن لؤي. وقيل: هما غلامان: اسم احدهما يسار، واسم الاخر جبر، وكانا صيقليين يعملان السيوف، وكانا يقران كتابًا لهم. وقيل: كانا يقران التوراة والانجيل، الى غير ذلك من الاقوال.
وقد بين جل وعلا كذبهم وتعنتهم في قولهم: {اِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} بقوله: {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ اِلَيْهِ اَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}. اي كيف يكون تعلمه من ذلك البشر، مع ان ذلك البشر اعجمي اللسان. وهذا القران عربي مبين فصيح، لا شائبة فيه من العجمة. فهذا غير معقول.
وبين شدة تعنتهم ايضًا بانه لو جعل القران اعجميًا لكذبوه ايضًا وقالوا: كيف يكون هذا القران اعجميًا مع ان الرسول الذي انزل عليه عربي. وذلك في قوله {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْاناً اَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ ايَاتُهُ اَاَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} اي اقران اعجمي، ورسول عربي. فكيف ينكرون ان القران اعجمي والرسول عربي، ولا ينكرون ان المعلم المزعوم اعجمي، مع ان القران المزعوم تعليمه له عربي.
¥