لا يمكن أن يحظى التجديد بقبول الأمة بل ولا يمكن أن يكون ذو جدوى وصلاحية إلا إذا كان انطلاقه من الوحيين القرآن والسنة، ولا يمكن لهذه الانطلاقة أن تحقق المراد إلا إذا كانت انطلاقة حقيقية تعيد للوحي مهمة التصحيح التاريخي والدفع الحضاري، ولذلك حقاً لا بد من إعادة قراءة القرآن بل مرات ومرات // ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر //، ولا بد من تفعيل دور القرآن الكريم في صياغة الحضارة من جديد، ولا بد من قراءة العالم اليوم في القرآن، وقراءة القرآن في العالم اليوم، فليس من الصواب أن نكتفي باجتهاد القدماء لنا، وهم لا يعيشون عصرنا، فلا بد من الاجتهاد الذي يعني استفراغ الوسع في التفكير، وهذا ما نغض الطرف عنه اليوم فنسمي كل تفكير اجتهاداً أياً كان مستواه، ونسمي كل باحث أو متهوك مجتهداً حتى ولو كان يتسلى.
سادساً:
إن إعادة قراءة القرآن تعني أن ننفي عنه عبث العابثين وخرافات القصاص وتراكمات البشر وإسقاطات العصور والأزمنة، فالقرآن الكريم فوق التاريخ وفوق الزمان والمكان لأنه الحاكم عليهما، وفي كل عصر قُرئ فيه القرآن كانت هناك أوهام عقلية وأوهام تاريخية وأوهام اجتماعية وثقافية كانت تلحق به وتلتصق به وتعد تفسيراً له، ومع طول التكرار والملازمة ظن الناس أن هذه الأوهام هي هو وهو هي، فلا بد من كنس الأوهام، وتفكيك الألغام والعودة إلى صفاء القرآن. وإذا لم نقرأ نحن القرآن الكريم من جديد كما يدعونا القرآن سيقرؤه الآخرون لنا بلا ضوابط ويسقطون فيه ما يريدون هم لا ما يريده القرآن.
سابعاً:
إن الدعوة إلى إعادة قراءة القرآن والعودة إلى صفاء القرآن وجوهر الوحي ليس المراد منها ما يريده الخطاب العلماني من تفريغٍ للدين من محتواه، وتطويع لآياته، وتشويه لغاياته لأننا نؤكد هنا على دور الوحي الثاني / السنة / في البيان وإعادة الفهم والتنزيل الجديد، فالسنة هي العاصم من الشطط في الانحراف وخطر الانجراف.
إن السنة هي النموذج التطبيقي المثالي للقرآن الكريم، ولا بد من النظر إليها دائماً على أنها أحد المعايير والضوابط الأساسية في فهم القرآن الكريم، وإذا ما شعر المجتهد أنه يناقض السنة فليعلم أنه يرتقي مرتقىً صعباً وعليه أن يتحسس مواقع قدميه.
ثامناً:
التجديد وإعادة القراءة وتمرين العقل وتنقية التراث مراحل لا بد منها لأي نهوض حضاري، ولكنها لا تكفي لتحقيق هذا النهوض إذا لم يتبع ذلك حراك شديد على المستوى العملي، أما أن نبقى في إطار التنظير والممارسة العقلية والفكرية فهذا حال الفلاسفة الخائبين، والإسلام دين عملي يدعو إلى العمل والمبادرة السلوكية، وتحويل الأقوال إلى أفعال // يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون // وقال عز وجل // وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون //.
كثيرة هي المشاريع الفكرية، والرؤى الاجتهادية، ولكنها لم تُختبر بعد بالتطبيق والممارسة، ونحن في هذه المرحلة بالذات بأمس الحاجة إلى العمل، لقد أصابتنا تخمة المؤتمرات والندوات والمشاريع والتنظيرات وقد آن الأوان لأن نعمل.
تاسعاً:
ولكن العمل الفردي لا يجدي نفعاً على مستوى النهوض الشامل، لذا فنحن بحاجة إلى العمل الجماعي، والعمل الفريقي وهذا النوع من العمل من الضروري أن يشيع في حياتنا تنظيراً وسلوكاً وأن نتعلم العمل في إطار الفرق المتخصصة، وأن نربي أنفسنا على الشعور بالمسؤولية الحضارية، ونعمق فيما بيننا روح الفريق والتعاون والتكامل.
لقد علمنا الإسلام أن المرء ضعيف بنفسه قوي بأخيه، وأن يد الله مع الجماعة، وأن نركن إلى السواد الأعظم، وعمق فينا ديننا هذه الروح الجماعية عبر الصلوات في الجماعة والجمعة والأعياد، وشحن الإحساس الجماعي بشاحن عظيم جداً هو الصيام وأثاره إلى حد يعجز التعبير عن وصفه في شعائر الحج ومواقفه المختلفة.
ومع ذلك فإن الأمة الإسلامية اليوم في حالة يرثى لها إذا ما نُظر إلى فرقتها، وتمزقها، الأمة التي أُمرت بالاعتصام بحبل الله // واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا // تعيش اليوم حالة من الشتات والضياع والتيه.
¥