تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد جاء في الحديث القدسي "" يقول الله عز وجل: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار "" (). فما بال كثير من المنتسبين للعلم اليوم يتبارون في مظاهر العظمة والأبهة، ويعللون ذلك بأنه إظهار لعزة الدين وأهله، وكأن الإسلام الذي هو دين الله والمحفوظ بوعد من الله جل شأنه مرتبط بالأشخاص، إن ديننا فوق النماذج وفوق الأشخاص.

لمَ لا يتذكر هؤلاء الناس كيف دخل رسول الله ? مكة المكرمة فاتحاً منصوراً، إنه موقف يستحق أن يكتب بالأبر على مآقي البصر ليكون عبرة لمن يعتبر، فها هو الفاتح المكرم يدخل ومعه آلاف من الأطهار والقديسين - كما جاء في التوراه () - عن يمينه ويساره وبين يديه، ولقد عبّر عن هذا المظهر العظيم أبو سفيان حين رأى الكتيبة الخضراء، فقال للعباس رضي الله عنه: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً. فرد عليه العباس رداً حاسماً: إنها النبوة!.

نعم ليس مُلْكاً ولا مَلِكاً فقد دخل النبي ? خاشعاً متخشعاً يترنم بسورة الفتح، وإن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل من التذلل والتواضع لوجه الله عز وجل. وقد اقترب منه رجل يريد أن يسأله فارتعدت فرائصه، فقال له: يا أخي إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة.

أجل! إنه ? يتذكر في هذا الموقف العظيم حالة فقره وحاجته، يتذكر الآن حالة ضعفه وانكساره، وما أكرمه الله عز وجل به من الفتح المبين والنصر الثمين، إنه وقت مناسب جداً لِيخِرَّ ساجداً شاكراً لله عز وجل، فيترجل النبي ? ويصلي لله عز وجل اثنتي عشرة ركعة صلاة الفتح. أفليس أهل العلم أولى الناس بالتواضع لله عز وجل والتأسّي بالنبي ? وأخلاقه الحميدة وسجاياه الرشيدة!!.

يتحدث بعض أساتذة الجامعة عن ضرورة عدم الوقوف مع الطلاب في الممشى والممرات، لأن ذلك يقلل من هيبة الأساتذة ويجرئ الطلاب عليهم، وهذا بنظري ليس صحيحاً، لأن هيبة الأستاذ في نفوس طلابه تصنعها أخلاقه السمحة وعلمه الثري، أما الشكليات فهي وإن أبقت شيئاً من الهيبة، لكنها تُبقي معها حواجز نفسية من الشعور بالغربة والدونية والطبقية الدينية، وليس هذا هو منهج النبوة فقد كانت الجارية تأتي إلى النبي ? فتأخذ بيده وتذهب به في سكك المدينة حتى يقضي لها حاجتها ().

خامساً:

إن العلاقات متوترة جداً بين كثير من العلماء فيما بينهم، وانعكس ذلك سلباً على صورتهم أمام الناس، فأنتج ذلك أزمة ثقة حقيقية بينهم وبين القاعدة الجماهيرية العريضة، وأصبح من الممكن القول: "" أن تصلح بين ضرتين أهون من أن تصلح بين شيخين "".

ولذلك أصبحت تشيع اليوم في المجتمع ظاهرة عدم احترام العلماء، بل وفي بعض الشرائح الاجتماعية هناك سخرية وتهكم بالمشايخ، وهذه نتيجة طبيعية لعدم احترام كثير من المنتسبين للعلم لموقعهم الذي تبوؤه فأساءوا لأنفسهم ولدينهم ولأمتهم.

إن هناك تراكمات تاريخية ثقيلة من الضروري أن نتخلص منها، فكلنا يعلم كم عانى الإمام ابن تيمية رحمه الله من علماء عصره حتى تمالأ عليه عدد من المنتسبين للعلم والمتزلفين للسلطان فسجنوه ومات في سجنه رحمه الله، ودفع ثمن كلمة الحق التي جهر بها. وكذلك ما تعرض له كلٌّ من الإمامين ابن رشد والآمدي من مشايخ عصرهم، فاتُّهموا بالزندقة وحُرِّض عليهم الحكام فنكلوا بهم، والإمام الغزالي أيضاً لم يسلم من ذلك فحرِّقت كتبه في المغرب لأنها لم توافق هوى بعض العلماء.

ولم تكن العلاقة محمودة بين الإمام ابن حجر والإمام بدر الدين العيني، وكان كلٌّ منهما لا يتورع عن ذم صاحبه والانتقاص منه، وانعكس ذلك على التلاميذ فترجم الإمام السيوطي لشيخه ابن حجر بعدة صفحات بينما ترجم للعيني بسطرين ولم يتورع عن التعريض به، وترجم الإمام الذهبي للإمام الأشعري ترجمة مختصرة جداً لأنه لا يوافق مذهبه، كذلك كانت العلاقة بين الإمام السيوطي والإمام السخاوي حتى ألف السيوطي " الكاوي في الرد على السخاوي "، () وكذلك ما كان بين الإمام النسائي وأحمد بن صالح رحمهم الله جميعاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير