تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن هذه النماذج المؤسفة لا نذكرها للتعريض بأصحابها وإنما لنلفت النظر إلى أن أصحابها رغم كونهم علماء أجلاء وعظماء إلا أنهم ليسوا معصومين من الأخطاء والأهواء، وما ينبغي أن تكون أهواؤهم وأخطاؤهم قدوة لنا، بل علينا أن نأخذ منها الدروس الإيجابية لنصلح أحوالنا ونتجنب السقوط في هذه العثرات، ونسأل الله عز وجل أن يغفر لهم ولنا جميعاً.

سادساً:

لقد انفصل كثير من العلماء عن الناس وأصبحوا يخاطبونهم من أبراج عاجية، ولم يعد الشيخ يكتف أن يجلس ليعلم عدداً من التلاميذ في المسجد، بل هو يشكو من إعراض الطلاب والناس عن العلم، وسرعان ما يهجر درسه متذرعاً بذلك، والسبب هو أنه يريد حشداً عظيماً يستمع إليه ويصغي لكلامه، ولم تعد وظيفة العالم وارث النبي كوظيفة النبي يدخل في بيوت الناس ويخالطهم ويباسطهم ويعلمهم، بل أصبح لا يرضى أن يلقي علومه إلا من مواقع الشهرة، إما منبر في جامع كبير، وليس كأي جامع، أو من قناة تلفزيونية رسمية أو فضائية. لقد أصبحت المشيخة طريقاً إلى الزعامة والمنصب والوجاهة، وبعض المنتسبين للعلم له علاقاته مع الأمن والمخابرات وكثير من المسئولين وأصحاب المناصب والمراكز، وينكل بخصومه إذا وقفوا في وجهه، وينتقم من تلاميذه إذا تمردوا عليه ويثبت لهم أنه " واصل " ولكن شتان ما بين الوصول والوصل الذي يعرفه أهل الله العارفون، وبين الوصل الذي يتحدث عنه بعض المشايخ المعاصرين.

. ذهب أعرابي من القرية إلى المدينة يستفتي الشيخ في مسألة طلاق، وخرج الشيخ إليه واستوضحه من الباب، ثم أجابه دون أن يطلب منه التفضل بالدخول، عاد الرجل إلى القرية يحمل الفتوى، ولكنه يحمل في ضميره نقداً للشيخ، لأنه لم يدْعه إلى دخول منزله وسألني مستنكراً "" شو هالمشايخ "" فاعتذرت أمامه للشيخ، لقد كان المستفتي رجلاً أمياً بدوياً ثيابه رثة، وتبدو عليه علامات الفقر والحاجة، ولا شك أن الشيخ سيعتذر بضيق الوقت وكثرة المستفتين، ولكن بالله عليكم لو أن المستفتي كان رجلاً مشهوراً، أو تبدو عليه آثار النعمة والثراء أو المنصب والجاه، هل سيكون تعامل الشيخ معه بهذا الشكل؟! ألن يكون عند ذلك الوقت كافياً لاستقبال الضيف، بل وإكرامه، وعندئذ سيعلِّل الشيخ في نفسه ذلك بأنه من باب إكرام الضيف، ويستشهد لنفسه عندئذ بحديث "" َمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ "" ()، لكن عليه أن يتأكد أنه لم يكرم ضيفه، وإنما أكرم منصبه أو جاهه أو ثراءه. وهو يتأمل أن يعود ذلك عليه بالنفع ولو بعد حين.

سابعاً:

إن الأواصر مُقطّعة بين العلماء، والتعاون على البر والتقوى يكاد يكون معدوماً، وهم إن عملوا عملوا منفردين دون أي تنسيق أو تكامل فيما بينهم. لنتأمل قليلاً في حديث النبي ? الذي يقول فيه: "" إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ "" () تعالوا ننظر في معنى هذا الحديث وننزل به إلى أرض الواقع، واقع الدعاة والعلماء.

- فالنبي ? يعترف لإخوانه من الأنبياء السابقين بالفضل فهم الذين يشكلون البناء، وليس أي بناء، إنهم يشكلون لبنات متراصة تشكل بناءً جميلاً يعجب الناس، ويودون لو أن البناء اكتمل بوضع اللبنة الأخيرة! فهل العلماء اليوم يشكلون هذا البناء الجميل في صورتهم أمام الناس، أم أن الصورة مزرية جداً وقاتمة جداً.

- وإنه ? يَعُدُّ نفسه لبنة في بناء النبوة المتكامل، مثله مثل إخوانه الأنبياء السابقين، وإنه ? يشكل معهم جميعاً بناء الهداية والرشاد للإنسانية جميعاً. ولكن الشيخ اليوم لا يقبل أن يكون لبنة في بناء الدعوة، إنه لا يرضى إلا أن يكون البناء كله، أو على الأقل الركيزة الأساسية فيه، وكم هم المشايخ الذين لا يكفيهم ذلك، بل يقومون أيضا بهدم جهود الآخرين، وكل همهم هو أن يمسكوا بالمعاول التي يتمكنون بها من الهدم والتهشيم، إنهم يصعدون على ظهور الآخرين فإذا ما وصلوا إلى القمة ركلوهم بالأقدام إلى الوادي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير