تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو المنذر المنياوي]ــــــــ[04 Apr 2007, 11:28 ص]ـ

الشيخ الفاضل د. إبراهيم عوض جزاك الله خيرا على غيرتك على القرآن، وعلى سعة صدرك، واسمح لي أن أتوقف معك قليلا حول هذه النقاط:

فرغم سعادتى به لدلالته على اهتمام القراء بالمسألة المطروحة فى تلك الدراسة ذلك الاهتمام العلمى الراقى وكذلك لنجاحه فى تحريك عقلى، فهو غير مقنع للأسباب التالية:

فأولا: كيف يقال إن السورتين قد نُسِخَتا لفظا، وهما ما زالتا موجودتين بألفاظهما؟ إن هذا كمن يقول: "سعيد غائبٌ حاضرٌ"، أو "حىٌّ ميتٌ" مثلا، وهو ما لا يجوز فى شرعة العقل ..

الشيخ الفاضل: معنى أنهما منسوختان لفظا أي من العرضة الأخيرة، ومن كتابتهما في المصحف الإمام دون غيره من المصاحف، وهذا لا يمنع من بقاء لفظهما محفوظا للقنوت بهما لا الصلاة فلا معارضة والحمد لله.

ثم ما معنى أنهما نُسِخَتا حكما؟ إنهما لا تتعرضان لمسألة تشريعية حتى يمكن أن يقال إن الحكم التشريعى الذى كان فيهما قد تغير. ومعروف أنه لا نسخ فى مسائل الاعتقادات والتاريخ، ويلحق بهما الأدعية، والسورتان منها. وعلى أية حال فما زلنا ندعو بالسورتين ولم يقل أحد إن الدعاء بهما أصبح لاغيا، فما القول إذن؟

الشيخ الفاضل: ومن قال أن الدعاء لا يدخله النسخ مع أنه من باب الإنشاء لا الخبر، ألم يقنت النبي صلى الله عليه وسلم بلعن فلان وفلان فنزلك: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)، وهذا خبر مضمن معنى النهي عن هذا الدعاء.

وعلى أية حال فما زلنا ندعو بالسورتين ولم يقل أحد إن الدعاء بهما أصبح لاغيا، فما القول إذن؟

الشيخ الفاضل: وهذا محل اتفاق، وهو خارج محل النزاع، ولا يمنع صدق الخبر بنسخهما كقرآن يتلى في الصلاة.

وثانيا: كيف يقال إنهما قد نسختا، ومع ذلك يستمر أُبَىٌّ فى إثباتهما بمصحفه؟ والعجيب أن يستدل بعض العلماء على قرآنيتهما من وجودهما فى مصحف ذلك الصحابى الكريم، وكان الأحرى أن يتعجبوا من بقائهما فيه رغم ذلك بدلا من استدلالهم بهذا البقاء على أنهما من القرآن! وثالثا: هل من المعقول أن تُنْسَخ السورتان ولا يدور بين الصحابة أخذ ورد حول إبقاء أُبَىٍّ عليهما فى نسخته، بل يمرّ الأمر مرور الكرام، وكأن أمرهما من الهوان بمكان؟ ألا إن ذلك لأمرٌ غريبٌ وبعيدٌ جِدُّ بعيدٍ!

الشيخ الفاضل: عدم النقل لا يدل على العدم، والمثبت مقدم على النافي.

وأماإثبات أبي وابن مسعود وشهادة أنس أنهما مما نزل من السماء وغيرهم إلخ ... فهو وارد في روايات كثيرة ذكرها السيوطي في الدر المنثور في آخره، وأثبت غيره ممن اهتم بترتيب المصاحف مكانهما في مصاحف أبي وابن مسعود.

وأما السبب في استمرار كتابتهما في مصاحفهما فهذا دليل على أنهما من القرآن، ولعل النسخ لم يصل إليهما، ثم استقر الإجماع الذي لا يجوز مخالفته بأنهما نسخا من القرآن.

وابن مسعود كان يرى أن المعوذتين ليستا من القرآن فلم يكتبهما في مصحفه، ومن الاستدلال بقياس العكس نرى أن أبي وابن مسعود كانا يريان - أي سورتي الحفد والخلع - أنهما من القرآن وإلا لما استجازا كتابتهما في مصحفيهما.

ورابعا: إذا كان هذان النصان فى البداية قرآنا، فيا ترى ما حكمهما الآن؟ ألا يزالان قرآنا؟ إذن فهما لم يُنْسَخا؟ أم لم يعودا قرآنا؟ فكيف ننظر إليهما الآن إذن من ناحية الإعجاز مثلا؟ أما فتئا معجزين رغم زوال قرآنيتهما عنهما؟ كيف، ولا مُعْجِز من الكلام إلا القرآن؟ أم نقول إنهما قد زالت عنهما تلك الإعجازية؟ فكيف؟ نعم كيف يسع المسلمَ الزعمُ بأن كلام الله قد تحول وزالت عنه طبيعته التى كانت له؟ أم نقول إنهما لم يبقيا كلاما من كلام الله؟ ألا إن ذلك لخطيرٌ جِدُّ خطيرٍ!

الشيخ الفاضل:هذا استدلال منك بمحل النزاع، وأما كلامك السابق عن أنهما ليستا بمعجزتين، فهذا ليس من تخصصي، ولست أهلا لمناقشتك فيه، ولعل فضيلتكم تعيد النظر فيه إن ثبت عندك ما أقول.

وخامسا: فإن الرد على التساؤل الهام الذى طرحه المعلق الكريم قائلا: كيف يستجيز سيدنا أبي وغيره من الصحابة كتابتهما في المصحف، وهما ليستا من القرآن؟ هو تساؤل لا يقل بل يزيد عنه أهمية، ألا وهو: وكيف يستجيز سائر الصحابة عدم إثباتهما فى مصاحفهم وهما من القرآن؟ وبهذا نعود إلى ما قلتُه آنفا من أنه ليس من المقبول منطقا ولا عقلا ولا شرعا أن نأخذ برأى سيدنا أُبَىّ بن كعب وحده ونهمل آراء سادتنا الصحابة أجمعين، وعلى رأسهم اللجنتان اللتان كُلِّفَتا فى عهد أبى بكر وعثمان بجمع القرآن! وهذا لو كان ثمة وجه لتلك الرواية القائلة بأن أبيا كان يثبتهما فى مصحفه، وهو ما قلت إننى غير مقتنع به.

الشيخ الفاضل: السبب واضح وهو عدم علم أبي وابن مسعود بالنسخ وعلم غيرهما به.

الشيخ الفاضل بنظرة عابرة إلى الروايات الواردة في قرآنية هاتين السورتين نرى أنه لم ينفرد سيدنا أبي رضي الله عنه بإثبات قرآنيتهما بل واقفة عدد من الصحابة والتابعين على ذلك - واعترف أنني لم أوثق تلك الروايات، ولعلي أتفرغ للنظر في أسانيدها فيما بعد - وهم:

أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وأبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك، وعبد الله بن مسعود، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، والحسن البصري، وعطاء بن رباح، وأبو عبد الرحمن بزعم عطاء بن السائب.

وأخيرا شيخنا الفاضل أرجو ألا يضيق صدرك من هذه المناقشة فإنما أردت الاستزادة والاستفادة من علمكم.

بارك الله فيكم وفي علمكم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير