المطلب الثاني: ما سوَّغوا به جهودهم.
لقد تضافرت جهودهم فيما بينها لتحقيق هدف واحد، ألا وهو: تشويه القرآن بطرق شتى، وباسم المناهج العلمية، والأمانة الأخلاقية، والمنظورات المذهبية والعقدية، شارك في هذا المجهود: المفكر المثقف والراهب والقسيس، ورجل الدين المبجل، والسياسي الاستعماري المحنك، وقبل البدء وضعوا بين يدي هذا المشروع – مشروع تشويه القرآن – مسوغات متعددة الأشكال والألوان، من بينها:
· زعمهم: أن القرآن عقبة في وجه التقدم، وأنه لا يتماشى مع طبيعة العمران البشري. يقول اللورد كرومر في كتابه "مصر الحديثة": "إن القرآن هو المسؤول عن تأخر مصر في مضمار الحضارة الحديثة" وقال أيضاً "لن يفلح الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن" ([37]).
· زعمهم: أن القرآن يقف حاجزاً أمام المد الفكري والثقافي للغرب، ومن الذين أطلقوا هذا التسويغ المستشرق الفرنسي (ريجيس بلاشير) قال: "قلما وجدنا بين الكتب المشرقية كتاباً بلبل بقراءته دأبنا الفكري أكثر مما فعله القرآن ([38]) "
· زعمهم: أن القرآن يحول دون إخضاع المسلمين تحت أقدام الغرب أعلنه (جلادستون) أمام مجلس اللوردات البريطاني حيث أمسك المصحف بيده وقال: "ما دام هذا الكتاب على الأرض، فلا سبيل لنا إلى إخضاع المسلمين" ([39]).
المطلب الثالث: تباين اتجاهاتهم
لقد عرف الاستشراق الترجمي في تاريخه اتجاهين متفاوتين في الخطورة والعداء ([40]):
1.اتجاه قديم، وهو الاتجاه العدائي الصرف الذي كان سائداً قبل مطلع هذا القرن، ويتميز بأمور منها:
· كانت أبحاث المستشرقين القرآنية يطبعها منهج عدواني سافر، يوجه من خلاله الشتم والسب والتجديف في حق القرآن الكريم والنبي الكريم.
· كانوا يدرسون في هذا العهد القرآن على أساس أنه هرطقة ومجموعة من التخيلات والتصورات جاء بها نبي مزيف.
· لم يكن من هدفهم البحث العلمي الحر، وإنما درسوه من أجل نقده فقط فهم: "يعتقدون أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي ألف القرآن، ولإثبات اعتقادهم هذا حاولوا اكتشاف أية أخطاء في القرآن – بحسب زعمهم – كما حاولوا إثبات أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يعرف القراءة والكتابة، وأنه قرأ التوراة والإنجيل والمزامير، واستفاد منها في تأليف القرآن" ([41]).
2. الاتجاه الجديد المعاصر بدأ من أول هذا القرن، حيث يرجع الباحثون والدارسون تأسيسه إلى المستشرق الألماني (تيودور نولدكه) ت:1931م والمعروف بلقب شيخ المستشرقين في الدراسات القرآنية " فلقد اتبع طريقة في التأليف استرعت انتباه زملائه المتخصصين .. في سائر معاقل الاستشراق في أوروبا وأميركا، إذ حرص على إبراز سائر وجهات النظر الثابتة في مسألة من مسائل علوم القرآن الكريم، معتمداً في ذلك على استقصاء مختلف الآراء من مصادر عربية وأجنبية شهيرة ومغمورة، مخطوطة ومطبوعة على حد سواء، كما أنه اتبع في عملية الاستقصاء والاستقراء ثم الاستدلال منهجاً أكاديمياً صارماً: لم يكن معهوداً فيما قبل".
من أهم مميزات هذا الاتجاه:
· الرجوع مباشرة إلى المصنفات العربية اللصيقة بمجال القرآنيات.
· المنهج الصارم في الدراسة والتحليل.
· الاهتمام بالدراسات اللغوية.
والحق أن المستشرق الذي يدرس القرآن ولا يؤمن بكونه من عند الله مهما حاول التجرد من الهوى والتزام شيء من الموضوعية والحياد، فإنه واقع لا محالة في أخطاء فظيعة ونظريات واهية ([42]).
الفصل الثاني: جهود المستشرقين في ترجمة القرآن الكريم في الميزان
المبحث الأول في الكشف عن دوافعهم
المبحث الثاني: روافدهم وعيوب منهجهم في الترجمة وأخطاؤهم فيها
المبحث الأول: في الكشف عن دوافعهم
لا شك أن الباحث يجد صعوبة في استبيان طرائق المعالجة وآليات المنهج الموظف والمطروق عند المشترقين، وكذا تنوُّع مداخل وطرق البحث المطبقة عندهم، ولهذا فإن المرء يحتاج بالتأكيد إلى كثير من التنقيب والبحث لمتابعة المستشرقين في عملهم خطوة بعد خطوة، من أجل الوقوف على خطورة دوافعهم.
المطلب الأول: دوافعهم:
إن دوافع المستشرقين في ترجمة معاني القرآن الكريم تكاد تنحصر في أمرين اثنين:
أولهما – خدمة مصالحهم، وتحقيق مقاصدهم المتمثلة في تشكيل المسلمين في دينهم، تمهيداً لاحتوائهم والقضاء على ثقافتهم، ثم إخضاعهم سياسياً وثقافياً واقتصادياً.
¥