تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا شكَّ في أنَّ هذا الموقف من المعلومة الشرعية كان له, في مجتمع هؤلاء الدارسين, تأثيره السلبي عليها، إذ أسهم هذا الأسلوب في إبعاد الناس عن المعلومة الشرعية الصحيحة، بما في ذلك الالتفات إلى الوقفات العلمية الكونية القائمة وقت نزول الوحي على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-, أو تلك الحقائق العلمية التي تحقَّق بعضها بعد نزول الوحي, أو تلك التي لا تزال تخضع للاكتشاف المتواصل مع التقدُّم العلمي والتقاني.

هذا الالتفات عن هذا الجانب الحيوي في كتاب الله تعالى أسهم في ضعف فهم الإسلام, أو في سوء فهمه من قبل الغربيين، مما كان له تأثيره على الإقبال على هذا الدين, الذي يقوم على المعلومة الشرعية الصحيحة.

التركيز, هنا, مخصَّص لمحاولات فهم الجانب الإعجازي في القرآن الكريم من أولئك الذين لا ينتمون إليه، ولا يتحدَّثون لغته العربية، ممَّا أدَّى إلى قيام محاولات لترجمة معانيه إلى لغاتهم, تعود إلى القرن السادس الهجري (سنة 536هـ) , الثاني عشر الميلادي (سنة 1141م) , حينما بدأ بطرس المحترم الكلوني هذا الجهد، وتولَّى الترجمة له الراهب الإنجليزي روبرت (روبرتوس كيتينيسيس) الكلوني, وكان, هو والراهب الآخر هيرمان الدالماتي, الذي ترجم النبذة المختصرة, ملمِّين باللغة العربية, وكانت هذه الترجمة «تزخر بأخطاء جسيمة, سواءٌ في المعنى أو في المبنى, ولم يكن أمينًا, إذ أغفل ترجمة العديد من المفردات, كما لم يتقيَّد بأصل السياق, ولم يُقم وزنًا لخصوصيات الأدب» , كما يقول يوهان فوك (18).

يُضيف عبدالرحمن بدوي إليهما كلاًّ من روبرت كينت, وعربي مسلم يُدعى محَمَّدا, «ولا يُعرف له لقب ولا كنية ولا اسم آخر» (19). ويذكر محَمَّد عبدالواحد العسري أنَّ من التراجمة أحدَ المسلمين المنقلبين عن دينهم الأصلي إلى النصرانية (20). كما يذكر محَمَّد عوني عبدالرؤوف «أنَّ أحد المغاربة من المتفقِّهين في التفسير والدين كان يمُدُّ له يدَ المساعدة دائمًا» (21).

ومع هذا فلم تكن هذه الترجمة أمينةً, «فقد كانت تعاني من نقص شديد في مواطنَ كثيرةٍ, فهي شرح للقرآن أكثر من كونها ترجمةً. لم يُعنَ بأمانة الترجمة ولا بتركيب الجملة, ولم يُعِر البيانَ القرآنيَّ أيَّ التفات, بل اجتهد في ترجمة معاني السور وتلخيصها, بصرف النظر عن موضوع الآيات التي تعبِّر عن هذه المعاني بالسورة نفسها» (22).

إلا أنَّ هذه الترجمة لم يتمّ طبعها إلا بعد أربع مئة سنة من ترجمتها, أي في منتصف القرن العاشر الهجري, (سنة 950هـ) , منتصف القرن السادس عشر الميلادي (سنة 1543م) , حيث طبعت في بازل بسويسرا, إذ تولَّد جدل لدى رجال الدين في الكنيسة حول جواز نشر القرآن الكريم بين رعايا الكنيسة, ومدى تأثيره على مشروع حماية النصارى من الإسلام (23). ثمَّ صدرت الطبعة الثانية منها, في بازل بسويسرا, كذلك, سنة 957هـ/1550م (24). تلاها, مباشرة, محاولة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية، وقام بها جمعٌ من رهبان ريتينا. وقيل إنَّ هذه الترجمة قد أُحرقت (25).

تعاقبت الترجمات, مستندة إلى ترجمة روبرتوس الكلوني, وعلى أيدي المستشرقين, فقد صدرت أقدمُ ترجمة إلى الإيطالية سنة 954هـ/1547م, ثم صدرت عن الترجمة الإيطالية ترجمة ألمانية سنة 1025هـ/1616م, على يد سالومون شفايجر, وعن الألمانية صدرت ترجمة إلى الهولندية سنة 1051هـ/1641م, غير معلومة اسم المترجم, ثم إلى الفرنسية, حيث ترجمها رير سنة 1057هـ/1647م (26). وكلُّها كانت عالةً على ترجمة روبرتوس, حتى ظهرت ترجمة لودفيجو ماراتشي إلى الإيطالية سنة 1110هـ/1698م, «التي لا سبيل إلى مقارنتها, من حيث صحَّتُها, مع أيِّ ترجمة أخرى قبلها» (27).

الدافع لترجمة معاني القرآن

يُعيد الدارسون ترجمةَ معاني القرآن الكريم, المتقدِّمة تاريخيًا, إلى دوافع تنصيرية بالدرجة الأولى، وهذا مبني على القول بأنَّ الاستشراقَ قد انطلق من الدافع التنصيري، والديني بصورة أعمَّ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير