يقول محَمَّد خليفة حسن: «أدَّت وفرة الترجمات الاستشراقية في اللغات الأوروبية إلى نتيجة سلبية في الدراسات القرآنية عند المستشرقين, وهي أنَّ معظم هذه الدراسات اعتمدت على الترجمات, ولم تعتمد على النصِّ العربي للقرآن الكريم» (7).
على أيِّ حال فالبحث في تأريخ الترجمات, التي قام بها الرهبان, ثم الرهبانُ المستشرقون، ثم المستشرقون من غير الرهبان, بحثٌ شائق، وليس هذا مجال التوسُّع فيه، إلا أنَّه غلب على ترجمات معاني القرآن الكريم, من قِبل غير أهله, أنَّها ترجمات اتَّسمت بالنظرة السلبية تجاه الوحي، وتجاه من نزل عليه الوحي, سيِّدنا محَمَّد بن عبدالله –صلى الله عليه وسلم-.
هذه النظرة التي قال عنها واحد منهم، وهو روم لاندو: «إنَّنا لم نعرف إلى وقت قريب ترجمةً جيَّدة استطاعت أنْ تتلقَّف من روح الوحي. والواقع أنَّ كثيرًا من المترجمين الأوائل لم يعجزوا عن الاحتفاظ بجمال الأصل فحسب, بل كانوا إلى ذلك مُفعمين بالحقد على الإسلام, إلى درجة جعلت ترجماتهم تنوء بالتحامُل والتغرُّض. ولكن حتَّى أفضل ترجمة ممكنة للقرآن في شكل مكتوب لا تستطيع أنْ تحتفظ بإيقاع السور الموسيقي الآسر على الوجه الذي يرتِّلها به المسلم. ولا يستطيع الغربي أنْ يدرك شيئًا من روعة كلمات القرآن وقوَّتها إلا عندما يسمع مقاطعَ منه مرتَّلةً بلغته الأصلية» (8).
يعلِّق مصطفى نصر المسلاَّتي على هذا النصِّ بقوله: «إنَّ اعتراف روم لاندو R. Landau لَيعطي فهمًا مبدئيًّا بأنَّ بعضًا من المستشرقين عندما حاولوا ترجمة القرآن, في أفضل ترجمة ممكنة, أفقدوا القرآن روعته, وأساؤوا إليه, سواء عن قصد أو عن غير قصد.
إنَّنا نشير هنا إلى أنَّ جولدزيهر Goldziher قد تمسَّك بروايات شاذَّة جاء بها دليلاً وبرهانًا على أنَّ القراءات السبع عندما نشأت كانت أصلاً عن طريق الكتابة وعدم نطقها. وقد علم المسلم ـ بما لا يدع مجالاً للشكِّ ـ أنَّ رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- كان قد أقرأ صحابته بعدَّة وجوه, وليس بوجه واحد» (9).
الوقفات النقدية لرؤى جولزيهر في القراءات خاصَّةً من خلال كتابه: مذاهب التفسير الإسلامي كثيرة, يُرجع منها إلى مناقشات عبدالفتَّاح عبدالغني قاضي, (رئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف الأسبق) , في مجلَّة الأزهر في أعداد متواليةً, من العدد 9 المجلد 42 إلى العدد 1 من المجلد 45 (11/ 1390هـ ـ 1/ 1393هـ الموافق 1/ 1971 ـ 2/ 1973م) , ثم جمعها في كتاب, طُبَع طبعاتٍ عدَّة (10).
إدراك الإعجاز
تنطلق هذه الوقفة من الإيمان المطلق بأنَّ هذا القرآن الكريم كلام الله تعالى, وأنَّ هذا الكون الفسيح بمخلوقاته وبماضيه وبحاضره وبمستقبله هو خلق الله, ومن ثمَّ فمن المتحقِّق أن يكون هذا الكتاب العزيز شاهدٌ من شواهد الإعجاز في هذا الكون.
من هذا المنطلق تتلمَّس هذه الوقفة ردود المستشرقين والعلماء الأوروبيين المعاصرين على المستشرقين الأوائل في قولهم بأنَّ القرآن الكريم من تأليف محَمَّد –صلى الله عليه وسلم-, ومن ثمَّ تفضي هذه الردود إلى الالتفات إلى الجوانب الإعجازية في كتاب الله تعالى (11) , فيقول المستشرق شيبس: «يعتقد بعض العلماء أنَّ القرآن كلام محَمَّد, وهذا هو الخطأ المحضُ, فالقرآن هو كلام الله تعالى الموحى على لسان رسوله محَمَّد. وليس في استطاعة محَمَّد, ذلك الرجل الأمِّي في تلك العصور الغابرة أنْ يأتينا بكلام تحار فيه عقول الحكماء ويهدي به الناسَ من الظلمات إلى النور. وربَّما تعجبون من اعتراف رجلٍ أوروبِّي بهذه الحقيقة, لا تعجبوا فإنِّي درستُ القرآن فوجدتُ فيه تلك المعاني العالية والنظم المحكمة. وتلك البلاغة التي لم أرَ مثلها قطُّ, فجملة واحدةٌ تغني عن مؤلَّفات» (12).
وهذه لورا فيشيا فاغليري تقول في كتابها: دفاع عن الإسلام: «كيف يكون هذا الكتاب المعجز من عمل محَمَّد وهو العربي الأمِّي الذي لم ينظم طوال حياته غير بيتين أو ثلاثة أبيات لا ينمُّ منها عن أدنى موهبة شعرية؟
¥