إنهم أجمعون ذاهبون، وإنك وزيد ذاهبان. فجعل سيبويه هذا غلطاً، وجعله كقول الشاعر: بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا
انتهى كلام الزجاج.
ومراد سيبويه بالغلط، توهم عدم ذكر إن، لا حقيقة الغلط. كيف وهو القائل إن العرب لا تطاوعهم ألسنتهم في اللحن والخطأ، كما نقل عنه في المسألة الزنبورية.
قال الشاطبي في شرح الألفية: يعني سيبويه أنهم توهموا أن ليس ثم إن، حتى كأنهم قالوا: هم أجمعون ذاهبون، وأنت وزيد ذاهبان. وأنس بهذا عدم ظهور الإعراب في اسم إن في الموضعين.
والدليل على صحة هذا أنه لم يجيء فيما ظهر فيه الإعراب، نحو: إن زيداً وعمرو قائمان، إذ لو كان الرفع على غير التوهم، لكان خليقاً أن يجيء مع ظهوره. فلما لم يكن كذلك دل على أنهم اعتقدوا أن المنصوب مرفوع، فعطفوا على اللفظ كما قال الشاعر: "ولا سابق شيئاً" بالخفض، متوهماً أنه قال: لست بمدرك ما مضى، فلذلك جعله سيبويه من باب الغلط. والله أعلم. انتهى.
وكذا في المغني لابن هشام قال: أجيب عنه بأمرين:
أحدهما:
أنه عطف على توهم عدم ذكر إن.
والثاني:
أنه تابع لمبتدأ محذوف، أي: إنك أنت وزيد ذاهبان. وعليهما خرج قولهم: إنهم أجمعون ذاهبون. انتهى.
وفي أمالي الزجاجي الصغرى:
أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري، قال: أخبرنا أبو عثمان المازني، قال: قرأ محمد بن سليمان الهاشمي، وهو أمير البصرة، على المنبر: "إن الله وملائكته يصلون على النبي"، بالرفع، فعلم أنه قد لحن، فبعث إلى النحويين، وقال لهم: خرجوا له وجها. فقالوا: نعطف به على موضع إن، لأنها داخلة على المبتدأ والخبر. فأحسن صلتهم ولم يرجع عنها، لئلا يقال: لحن الأمير.
وأخبرنا أبو إسحاق الزجاج، قال: أخبرنا أبو العباس المبرد عن المازني، قال: حدثني الأخفش، قال: كان أمير في البصرة يقرأ على المنبر:
"إن الله وملائكته يصلون على النبي"، بالرفع، فصرت إليه ناصحاً له، ومنبهاً، فتهددني، وأوعدني وقال: تلحنون أمراءكم ثم عزل وتقلد محمد بن سليمان الهاشمي، فكأنه تلقنها من في المعزول، فقلت: هذا هاشمي نصيحته واجبة، فجبنت عنه، وخشيت أن يتلقاني بمثل ما تلقاني به الأول.
ثم حملت على نفسي فأتيته، فإذا هو في غرفة له، وعنده أخوه، والغلمان على رأسه، فقلت: هذا. وأومأت إلى أخيه، فنهض أخوه وتفرق الغلمان، فقلت:
أصلح الله الأمير، أنتم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة والفصاحة وتقرأ:
"إن الله وملائكته" بالرفع، وهو لحن ولا وجه له! فقال: جزاك الله خيراً، قد نبهت ونصحت، فانصرف مشكوراً.
فانصرفت فلما صرت في نصف الدرجة إذا قائل يقول لي: قف. فوقفت وخفت أن يكون أخوه أغراه بي، فإذا بغلة سفواء وغلام وبدرة، وتخت ثياب، وقائل يقول: هذا لك، قد أمر به الأمير. فانصرفت مغتبطاً. انتهى كلامه ... }.
ـ[د عبدالله الهتاري]ــــــــ[24 Apr 2007, 04:36 م]ـ
لقد عنيت بهذا الموضوع وكان فصلا من فصول أطروحتي للدكتوراه وتناولت فيه أنواع كسر الإعراب بشواهده المختلفة في القرآن بقرآته المختلفة وفي الشعر
ولعلي بمشيئة الله عز وجل أعرض له مفصلا في المنتدى في موضوع لاحق ضمن تحولات الاعراب في السياق القرآني