تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأما مصدر القرآن فقد ادعت الموسوعة البريطانية أنه مأخوذ من كتب سابقة، وعرضت رأي المستشرقين ثم قالت: “إلا أن المسلمين تختلف نظرتهم عن ذلك، فهم يعتقدون أن محمداً استلم كل كلمة في القرآن مباشرة من ربه، فالقرآن يرفض بعنف الاتهامات التي تشير الى ان النبي حصل على القرآن من مصادر أخرى غير الخالق، ان المستشرقين الذين قاموا بتحليل محتويات القرآن استخلصوا بأن كثيراً من المادة القصصية والمذكورة فيها اشخاص وحوادث في التوراة، هي غير مشتقة من التورارة بل من مصادر نصرانية ويهودية متأخرة، كما أن أوصاف يوم القيامة والجنة هي موضوعات تتفق مع تعاليم الكنيسة السريانية المعاصرة، وأن اعتماد محمد علي نقل هذه المعلومات لم يكن اعتماداً حرفياً، بل أخذ من آثار شفهية”.

يرد الباحث ملتزما بمنهجية الحوار الهادئ ويقول ان الموضوعية تقتضي دراسة كل الاحتمالات التي يمكن ان تفترض كمصدر للقرآن، وهي: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد اكتسب القرآن من غيره، وإما ان يكون ناتجاً عن التأملات الشخصية للنبي صلوات الله وسلامه عليه.

ثم يرد الباحث باسترسال ما بين مقارنة وبحث وتعليل، ويقول في خلاصة هذا المبحث:

1) إن القصص القرآني قد ذكر بعضه في الكتابين السابقين، وبخاصة التوراة، ولكن هذا الذكر لا يدل على اتحاد او تشابه تام، بل هناك فروق جوهرية .. وهذه الفروق تارة تكون في تغيير في الحدث نفسه، كما في قضية الطوفان والخلق ووسائل الانتقال التي استعملها إخوة يوسف في رحيلهم من الشام الى مصر وفي مسألة غرق فرعون، وقد تكون أحداثا زائدة على ما جاء في التوراة نفسها كمناجاة نوح عليه السلام لابنه، والحوار الشاهد في قضية يوسف عليه السلام، وشأن البقرة في حديث موسى عليه السلام.

2) إن هناك قصصا قرآنية خلت منه التوراة تماماً، وهذا القصص كان بعيدا عن أوساط الكنيسة السريانية، وكان للعرب فيه بعض المعرفة الاجمالية لأنه يتعلق بهم بيئة ووراثة، فهو إخبار عن أمم عربية مضت، وكانت تسكن المواطن العربية، وهذه المعرفة قد عفا عليها الزمن وأحاطها طول الأمد بحكايات من نسيج الخرافة والوهم، فجاء القرآن الكريم يفصل فيها حقائق وحوادث بعيدة كل البعد عن خيال الخرافة، وخرافة الخيال، وهذا اللون من القصص الذي لم تذكره التوراة كما كان بعيداً عن الكنيسة السريانية، كان بعيداً كذلك عن اليهود والنصارى غير السريان.

3) إن أخبار القيامة والجنة والنار في القرآن الكريم قد تتشابه في بعض الجزئيات والاحداث مع ما بقي من الكتب السماوية عند اصحابها، ولكن لا يستطيع منصف أيا كان اتجاهه، أن يدعي ادعاء مقبولا بأن هذه الاحداث نفسها التي عبر عنها القرآن بأسلوبه، وأعطى منها معلومات كثيرة، كانت تتردد فيه.

إن اخبار البعث والنشور في القرآن الكريم وما يتبعها من تصوير وتجسيم هي مما انفرد به القرآن اللهم الا في بعض الجزئيات التي تشترك فيها الديانات السماوية جميعاً .. كما ورد في شعر أمية بن أبي الصلت.

4) لقد فصلنا من قبل في الدعوى القائلة ان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ هذه الاحداث عن طريق الاخبار الشفهية. وقلنا إن ذلك لا يتفق مع حال النبي صلى الله عليه وسلم أولا، ولا مع حال الذين أخذ عنهم ثانيا، ولا مع طبيعة الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ثالثا، وما أصدق هذه المقولة البدهية: فاقد الشيء لا يعطيه.

5) إن القرآن الكريم لا يشتمل على القصص وحده، ولا على أخبار يوم القيامة فحسب، فهناك القضايا التشريعية والخلقية، والاشارة الى حقائق كونية وأمور عقدية كانت بلا ريب في مساحتها أضعاف الاخبار القصصية، وهذه بالطبع لم تكن مستقاة من أخبار شفهية ولا كتابية، ولم يكن باستطاعة الرسول الأمي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بها كذلك من عند نفسه، هذه القضايا نجدها في تنظيمات الإرث والقصاص، وشؤون العبادة، وأطوار خلق الانسان، وبعض أطوار النبات والحيوان، وكلها من الأمور التي ان درست بتجرد لا يشك ولا يرتاب أحد بأصالتها وكونها أخبارا سماوية بعيدة عن طوق البشر.

هذان افتراضان .. وإذا لم يكن واحد منهما مقبولا فلم يبق إلا شيء واحد وهو أن يكون هذا القرآن وحياً أوحاه الله للنبي عليه وآله الصلاة والسلام.

تناسق موضوعات السور

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير