وربطه بالقارئ الإنساني، واعتباره نصا غير مكتمل كما يؤكد ذلك تيزيني بقوله " فإننا في الاختراق الحالي نواجه المسألة من حيث هي مساءلة حول " تمامية المتن القرآني " وكما هو بين فإن إجماعا على هذه التمامية يغدو والحال كذلك أمرا خارج المصداقية التاريخية التوثيقية".
ومن الاستراتيجيات المتبعة في القراءة الحداثية العربية خطة عقلنة النص القرآني والتي تهدف إلى رفع عائق الغيبية، وبحسب هذه القراءة فإن العائق الأكبر يتمثل في اعتقاد أن القرآن وحي جاء من عالم الغيب، ولذلك لا بد من التعامل مع الآيات القرآنية طبقا للمنهجيات والنظريات الحديثة كما يرى أركون، ومن العمليات المتبعة في سبيل تحقيق خطة عقلنة النص القرآني اعتبار علوم القرآن التي اتبعها علماء المسلمين تشكل وسائط معرفية متحجرة تمنع من التواصل مع النص القرآني وتعيق أسباب النظر العقلي، من هنا كان لا بد من نقل مناهج علوم الأديان المتبعة في تحليل ونقد التوراة والأناجيل وتطبيقها على النص القرآني، والتوسل بالمناهج المعتمدة في علوم الإنسان والمجتمع، واستخدام النظريات النقدية والفلسفية الحديثة، وإطلاق سلطة العقل دون حدود، وقد ترتب على خطة القراءة العقلانية للقرآن تغيير مفهوم الوحي الذي اعتبرته القراءة الحداثية عائقا مفهوميا لا بد من استبداله بتأويل يسوغه العقل، واعتبار كل ما يناقض العقل في النص القرآني من قضايا وأخبار ما هو إلا مجرد شواهد تاريخية تعبر عن أحد أطوار الوعي الإنساني الذي تم تجاوزه، فنصر أبو زيد يعتبر أن"السحر والحسد والجن والشياطين مفردات في بنية ذهنية ترتبط بمرحلة محددة من تطور الوعي الإنساني".
وتكتمل أركان القراءة الحداثية باعتماد الخطة التاريخية والتي تهدف إلى رفع عائق الأحكام الشرعية التي جاء بها القرآن وإبطالها كأحكام ثابته وأزلية، وقد توسلت هذه القراءة الحداثية في سبيل إلغاء عائق الاعتقاد بالأحكام من خلال ربط الآيات القرآنية بالظروف والسياقات الزمانية المختلفة، وترتب على اتباع خطة التاريخ اعتبار النص القرآني كأي نص تاريخي آخر، لا يتضمن تمام التشريع الإسلامي واعتبار آيات الأحكام مجرد وصايا ومواعظ لا تحمل صفة القوانين التي تنظم حياة المسلم في شتى المجالات، وحصر القرآن في مجال الأخلاقيات الباطنية الخاصة.
و يبدو أن الاستراتيجيات الحداثية المتبعة من قبل النخب العربية في قراءة النص القرآني، لم تفلح في تحقيق جملة الغايات والمقاصد التي سعت إلى تحقيقها من النهوض والتقدم والتحرر ولم تنجح في صناعة حداثة عربية إسلامية، ذلك أنها توسلت بمفاهيم حداثية منقولة أعادت فيه إنتاج الواقع الحداثي الغربي وخاضت صراعات مفتعلة بالمماثلة بين ما حدث في أوروبا من صراع بين العلماء ورجال الكنيسة، الأمر الذي أدى بالحداثيين بالعرب إلى اتباع جملة المسلمات التي قامت عليها الحداثة في الواقع الغربي دون اعتبار لمقومات الحداثة العربية الإسلامية، ومن المفارقات الغريبة أن جهود الحداثيين العرب رسخت حالة التخلف والتردي من خلال إشاعة جو من الاضطراب والتشكك لاعتمادها نفس المبادئ التي قامت عليها الحداثة الغربية وهي الاشتغال بالإنسان وترك الاشتغال بالله، والتوسل بالعقل وترك التوسل بالوحي والتعلق بالدنيا وترك التعلق بالآخرة كما بين ذلك الأستاذ طه عبد الرحمن في كتابه روح الحداثة.
المصدر: http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=3276
ـ[النجدية]ــــــــ[15 Aug 2007, 10:18 ص]ـ
الحمد لله، و بعد ...
بداية أشكر تفاعل الأساتذة و الزملاء، و أسأل الله العلي القدير أن يؤجرهم خيرا، و أن يعين الجميع في هذا الملتقى؛ على مشاركتنا في ذبِّ الشبهات عن القرآن الكريم!!
و إلى إخوتي الأفاضل، أعود إليكم و في جعبتي اليوم كتاب ماتع يتناول جانب مما نحن بصدده:
الهيرمينوطيقيا و النص القرآني (نقد و تجريح)، بقلم حميد سمير، دار البيارق، عمان.
و لا تنسوا أختكم من الدعاء.
ـ[أحمد بوعود]ــــــــ[20 Aug 2007, 04:20 م]ـ
إخواني الأفاضل/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله أن يبارك في جهدكم واجتهادكم جميعا، مشرفين ومشاركين وزوارا
أود أن أشير إلى نقطة راهاأساسية بشأن الفكر الحداثي:
على من أراد الاطلاع والإلمام بالفكر الحداثي أن يتجه مباشرة إل أصحابه ولو غربيين وبلغتهم إن أمكن، أما النقل عنهم بالواسطة فيوقع في كثير من المشاكل التي تبتعد بالباحث عن الحقيقة التي يطلبها ... كما أن التعامل مع هذا الفكر بمنطق الأحكام الجاهزة والمسبقة تحجب عنا معرفة ثغراته الحقيقية التي تناقض زعم "العلمية" ... وللأسف هذا هو حال كثير من الدراسات الإسلامية المعاصرة ...
ـ[النجدية]ــــــــ[20 Aug 2007, 05:50 م]ـ
جزاكم الله خيرا أستاذنا أحمد بوعود ...
و نشكر لكم مروركم العطر، و نصيحتكم الطيبة -بارك الله بكم!!
و نسأل الله أن يعينكم؛ لتمدنا بكل ما هو مفيد و نافع في هذا الموضوع.
فنحن و الله طلاب علم، نبحر في بحره الواسع!!
و دمتم في حفظ الله
¥