ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[16 - 01 - 07, 06:40 ص]ـ
وَجْهُ اشْتِقَاقِهِ وَمُنَاسَبَةُ تَسْمِيَتِهِ بِذَا
ـــــ،،، ـــــ
وَأَمَّا الْمُدَبَّجُ مِنَ الْحَدِيثِ، فَقَدْ ذَكَرُوهُ فِي بَابِ رِوَايَةِ الأَقْرَانِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ اشْتِقَاقِهِ.
قَالَ الْحَافِظُ الزِّينُ العراقِيُّ «التَّقْيِيدُ وَالإِيْضَاحُ»: «مَا الْمُنَاسَبَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِتَسْمِيَةِ هَذَا النَّوْعِ بِالْمُدَبَّجِ، وَمِنْ أَىِّ شَئٍ اشْتِقَاقُهُ؟.
لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ سُمِّى بِذَلِكَ لِحُسْنِهِ، فَإِنًّ الْمُدَبَّجُ لُغَةً هُوَ الْمُزَيَّنُ، وَدِيبَاجَةُ الْوَجْهِ حُسْنُ بَشْرَتِهِ. وَمِنْهُ تَسْمِّيَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْحَوَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْهُ، فَإِنَّ الإِسْنَادَ الَّذِى يَجْتَمِعُ فِيهِ قَرِينَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ وَالآخَرُ أصْغَرُ، مِنْ رِوَايَةِ الأَصَاغِرِ عَنِ الأَكَابِرِ، فَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ غَالِبَاً فِيمَا إِذَا كَانَا عَالِمَيْنِ أَوْ حَافِظََيْنِ أَوْ فِيهِمَا أَوْ فِى أَحَدِهِمَا نَوْعٌ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ، حَتَّى عَدَلَ الرَّاوِى عَنِ الْعُلُوِّ لِلْمُسَاوَاةِ، أَوْ النُّزُولِ لأَجَلِ ذَلِكَ، فَحَصَلَ لِلإِسْنَادِ بِذَلِكَ تَحْسِينٌ وَتَزْيِينٌ، كِرِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَرِوَايَةِ ابْنِ مَعِينٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِنَّمَا يَقَعُ رِوَايَةُ الأَقْرَانِ غَالِبَاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُتَمَيِّزِينَ بِالْمَعْرِفَةِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْقَرِينَيْنِ الْوَاقِعَيْنِ فِى الْمُدَبَّجِ فِى طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَشُبِّهَا بِالْخَدَّيْنِ، فَإِنَّ الْخَدَّيْنِ يُقَالُ لَهُمَا الدِّيبَاجَتَانِ، كَمَا قَالَهُ صَاحِبَا الْمُحْكَمِ وَالصِّحَاحِ. وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَّجَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ الصَّلاحِ: أَنَّ الْمُدَبَّجَ مُخْتَصٌّ بِالْقَرِينَيْنِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُ سُمِّىَ بِذَلِكَ لِنُزُولِ الإِسْنَادِ، فَإِنَّهُمَا إِنْ كَانَا قَرِينَيْنِ نَزَلَ كُلُّ مِنْهُمَا دَرَجَةً، وَإِنْ كَانَ مِنْ رِوَايَةِ الأَكَابِرِ عَنِ الأَصَاغِرِ نَزَلَ دَرَجَتَيْنِ. وَقَدْ رُوِينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ: الإِسْنَادُ النَّازِلُ قُرْحَةٌ فِى الْوَجْهِ. وَرُوِينَا عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْمَدِينِىِّ وَأَبِى عَمْرٍو الْمُسْتَمْلِىِّ قَالا: النُّزُولُ شُؤْمٌ. فَعَلَى هَذَا لا يَكُونُ الْمُدَبَّجُ مَدْحَاً لَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ مُدَبَّجٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ وَالْهَامَةِ، حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ، وَفِي هَذَا الاحْتِمَالِ بُعْدٌ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ مَدْحٌ لِهَذَا النَّوْعِ، أَوْ يَكُونُ مِنَ الاحْتِمَالِ الثَّانِى وَاللهُ أَعْلَمُ».
وَاسْتَظَهَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ اشْتِقَاقَهُ مِنَ الدِّيبَاجَتَيْنِ، فَقَالَ «نُزْهَةُ النَّظَر فِي تَوْضِيحِ نُخْبَةِ الْفِكَرِ»: «وَإِذَا رَوَى الشَّيْخُ عَنْ تِلْمِيذِهِ صَدَقَ أَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يَرْوِي عَنِ الآخَرِ؛ فَهَلْ يُسَمَّى مُدَبَّجَاً؟ فِيهِ بَحْثٌ.
وَالظَّاهِرُ: لا؛ لأنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الأَكَابِرِ عَنِ الأَصَاغِرِ، وَالتَّدْبِيجُ مَأْخُوذٌ مِن دِيبَاجَتَيِ الْوَجْهِ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُسْتَوِيَاً مِنَ الْجَانبَيْنِ، فَلا يَجْيءُ فِيهِ هَذَا».
قُلْتُ: وَمَا اسْتَظَهَرَهُ الْحَافِظُ الزِّينُ العراقِيُّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُدَبَّجِ أَيْ الْمُزَيَّنَ أَرْجَحُ، فَإِنَّ الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: أَنَّ الْمُدَبَّجَ مُخْتَصٌّ بِالْقَرِينَيْنِ، وَهَذَا خِلافُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الإِمَامُ الْحَافِظُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ «الْمُدَبَّجُ»، وَهُوَ بِهِ أَعْرَفُ.
ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ ذَكَرَهُ وَعَرَّفَ بِهِ
¥