فإن كانت السورة مكية، فما محل الحديث عن القتال في سبيل الله في أول البعثة؟ أهو تحديث بالغيب عما سيقع للمسلمين في مراحل الدعوة، وأنها ستنتقل إلى مرحلة المواجهة مع المشركين؟ أم أن لها معنى آخر؟
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[25 - 02 - 07, 09:35 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخي محمد بارك اللع فيك
يقول ابن كثير _ رحمه الله_: (وهذه الآية بل السورة كلها مكية ولم يكن القتال شرع بعد فهي من أكبر دلائل النبوة لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلة) تفسر ابن كثير (4/ 564)
ويقول ايضا (4/ 391): ({لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير} فهذا السياق ليس فيه ذكر الحديبية فإن كان ذلك محفوظا كما تقدم فيحتمل أنه أنزل قبل الفتح إخبارا عما بعده كما في قوله تعالى في سورة المزمل وهي مكية من أوائل ما نزل: {وآخرون يقاتلون في سبيل الله} الآية فهي بشارة بما يستقبل وهكذا هذه والله أعلم).
وقد وضع السيوطي _ رحمه الله _ مبحثاً في الإتقان (1/ 106 – 107) فقال: (النوع الثاني عشر ما تأخر حكمه عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه:
قال الزركشي في البرهان: قد يكون النزول سابقا على الحكم كقوله: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} فقد روى البيهقي وغيره عن ابن عمر أنها نزلت في زكاة الفطر وأخرج البزار نحوه مرفوعا.
وقال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل لأن السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة ولا صوم وأجاب البغوي بأنه يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم كما قال: {لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد} فالسورة مكية وقد ظهر أثر الحل يوم فتح مكة حتى قال: " أحلت لي ساعة من نهار " وكذلك نزل بمكة {سيهزم الجمع ويولون الدبر} قال عمر بن الخطاب: فقلت: أي جمع؟ فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت إلى رسول الله في آثارهم مصلتا بالسيف ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر فكانت ليوم بدر أخرجه الطبراني في الأوسط.
وكذلك قوله: {جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب} قال قتادة وعده الله وهو يومئذ بمكة أنه سيهزم جندا من المشركين فجاء تأويلها يوم بدر أخرجه ابن أبي حاتم
ومثله أيضا قوله تعالى: {قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: {قل جاء الحق} قال: السيف والآية مكية متقدمة على فرض القتال ويؤيد تفسير ابن مسعود ما أخرجه الشيخان من حديثه أيضا قال: " دخل النبي مكة يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدي الباطل ومايعيد
وقال ابن الحصار: ذكر الله الزكاة في السور المكيات كثيرا تصريحا وتعريضا بأن الله سينجز وعده لرسوله ويقيم دينه ويظهره حتى تفرض الصلاة والزكاة وسائر الشرائع ولم تؤخذ الزكاة إلا بالمدينة بلا خلاف وأورد من ذلك قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} وقوله في سورة المزمل: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} ومن ذلك قوله فيها: {وآخرون يقاتلون في سبيل الله} ... )
وينظر: البرهان للزركشي (1/ 32)
وقال الحافظ في الفتح (1/ 465): (ذكر الشافعي عن بعض أهل العلم إن صلاة الليل كانت مفروضة ثم نسخت بقوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه} فصار الفرض قيام بعض الليل ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس واستنكر محمد بن نصر المروزي ذلك وقال الآية تدل على إن قوله تعالى فاقرءوا ما تيسر منه إنما نزل بالمدينة لقوله تعالى فيها: {وآخرون يقاتلون في سبيل الله} والقتال إنما وقع بالمدينة لا بمكة والإسراء كان بمكة قبل ذلك أهـ وما استدل به غير واضح لأن قوله تعالى: {علم أن سيكون} ظاهر في الاستقبال فكأنه سبحانه وتعالى أمتن عليهم بتعجيل التخفيف قبل وجود المشقة التي علم أنها ستقع لهم والله أعلم) أ. هـ
فائدة: قال السيوطي في الإتقان (1/ 35): (اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة:
أشهرها: أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أو عام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار أخرج عثمان ابن سعد الرازي بسنده إلى يحيى بن سلام قال: ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي المدينة فهو من المكي وما نزل على النبي في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهو من المدني وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحا.
الثاني: أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة والمدني ما نزل بالمدينة وعلى هذا تثبت الواسطة فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني .....
ويدخل في مكة ضواحيها كالمنزل بمنى وعرفات والحديبية وفي المدينة ضواحيها كالمنزل ببدر وأحد وسلع.
الثالث: أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة والمدني ما وقع خطابا لأهل المدينة وحمل على هذا قول ابن مسعود الآتي.
قال القاضي أبو بكر في الانتصار: إنما يرجع في معرفة المكي والمدني إلى حفظ الصحابة والتابعين ولم يرد عن النبي في ذلك قول لأنه لم يؤمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول انتهى) أ. هـ
¥