ورجح أبو حاتم في العلل (851)، رواية خلف بن خليفة، عن العلاء بن المسيَّب، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ومنهم من يقفه. وكذا رجح هذا الوجه مرفوعاً أبو زرعة الرازي، -كما في العلل- رقم (869). وخلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر.
وتابع خلفاً على هذا الوجه الثوري، ولكن ذلك من رواية محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، عن عبد الرزاق، عن الثوري، وابن أبي عمر قال فيه أبو حاتم: كان رجلاً صالحاً، وكان به غفلة، قال ابن حجر: صدوق، صنف المسند، وكان لازم ابن عيينة، ثم ذكر قول أبي حاتم. (تهذيب الكمال 26/ 639، التقريب 6391)، والذي في مصنف عبد الرزاق عن الثوري موقوف، فلعل ابن أبي عمر وهم فيه.
وأما ما وقع في حديث الدبري من رفع هذا الحديث عن عبد الرزاق فهو مخالف لما في المصنف، فإن كانت النسخة متقنة فهو وهم، ويكفي في ذلك أن رواية أحمد عن عبد الرزاق موقوفة، وكذا رواية محمد بن رافع، وعلى فرض صحة رفعه عن عبد الرزاق فإن المحفوظ رواية وكيع الموقوفة عن الثوري، فرفع هذا الحديث عن الثوري غير محفوظ، ولذا قال ابن عدي: وهذا يعرف بخلف، عن العلاء، وقد روي عن الثوري عن العلاء، وهو غريب.
وقد ذكر أبو حاتم –كما في العلل (869) - اضطراب الناس في حديث العلاء بن المسيب، فقال له ابنه: فأيها الصحيح منها؟ قال هو مضطرب، فأعاد عليه، فلم يزده على قوله: هو مضطرب. ثم قال: العلاء بن المسيب، عن يونس بن خباب، عن أبي سعيد موقوف مرسل أشبه، فقال له ابنه: لم يسمع يونس من أبي سعيد؟ قال لا. وهذا الوجه لم أقف على من وصله.
وما ذكره أبو حاتم من الحكم باضطراب الحديث قول قوي، مع أن الحديث لا يصح على أيٍّ من هذه الأوجه الستة لو فرض ترجيحه، ذلك أن المسيب بن رافع لم يسمع من أبي سعيد ولا من أبي هريرة كما قاله ابن معين، وكذا يونس بن خباب لم يسمع من أبي سعيد كما قاله أبو حاتم.
فالحديث على جميع الاحتمالات منقطع، مع ما يصحب ذلك من الاضطراب في الحديث، وتفرد محمد بن فضيل بالوجه الأول، وخلف بن خليفة بالوجه الثالث. ولذا قال العقيلي: وفيه رواية عن أبي سعيد الخدري، وفيها لين. وقال الدارقطني بعد الإشارة إلى بعض هذه الوجوه: ولا يصح منها شيء.
وبهذا يعلم أن تصحيح ابن حبان له من حديث أبي سعيد مرفوعاً فيه نظر، والله أعلم.
وإذا تقرر هذا فلم يبق إلا روايتان لهذا الحديث:
الأولى: رواية المسعودي، ولعله: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي، عن يونس بن خباب، عن رجل، عن خباب بن الأرت، والمسعودي صدوق اختلط قبل موته وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، (التقريب 3919، الكواكب النيرات ص282)، والراوي عنه هنا أبو سعيد، وهو عبد الرحمن بن عبد الله البصري، مولى بني هاشم، وهو صدوق ربما أخطأ. (تهذيب الكمال 17/ 217، التقريب 3918) وتفرد عنه أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض، وقد ذكره ابن حبان في الثقات ووثقه الدارقطني وضعفه الجورقاني وتبعه ابن الجوزي. وقال الذهبي: فيه لين. وقد تعقبه ابن حجر، (انظر: الميزان 4/ 549، واللسان 7/ 79). ثم إن المسعودي قد خالف العلاء بن المسيب الذي سبقت روايته عن يونس بن خباب، عن أبي سعيد مرفوعاً وموقوفاً، والحديث معروف بالعلاء بن المسيب.
وبناءً عليه فرواية المسعودي هذه فيها نظر، إلا أنه يستفاد منها تقوية جعل هذا الحديث عن العلاء بن المسيب، عن يونس بن خباب، وسبق ذكر ترجيح أبي حاتم له من حديث أبي سعيد، مرة مرفوعاً، ومرة موقوفاً، وأن الحديث على جميع الوجوه لا يصح.
والثانية: رواية قيس بن الربيع، عن عباد بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً، وهو طريق تفرد به قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، وقد أثنى عليه جماعة من الأئمة، وتكلم فيه آخرون كيحيى القطان، وأحمد حيث سئل عن سبب ضعفه فقال: روى أحاديث منكرة. وضعفه جماعة من الأئمة كوكيع، وابن المديني، وابن معين، والنسائي وغيرهم. قال ابن حجر: صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. (تهذيب الكمال 24/ 25، والتقريب 5573) وشيخه عباد هو عبد الله بن أبي صالح السمان، المدني، لقبه:"عبَّاد " وثقه ابن معين، وقال البخاري، عن ابن المديني: ليس بشيء، وقال ابن حبان: يتفرد عن أبيه بما لا أصل له من حديث أبيه، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. قال ابن حجر: لين الحديث. (المجروحين 2/ 164، تهذيب الكمال 15/ 116، التقريب 3390) فمثل هذا الإسناد لا يفيد شيئاً، ويبقى الحديث على ضعفه - كما سبق - والله أعلم.
[1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftnref1) من وَفَد يَفِدُ وفادة، قال الأصمعي: إذا خرج إلى ملك أو أمير. والوفد هم القوم يجتمعون ويردون البلاد، واحدهم وافد (النهاية لابن الأثير 5/ 205، ولسان العرب 3/ 464).
[2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftnref2) انظر أيضا: علل ابن أبي حاتم (851، 869).
[3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftnref3) وقع في المطبوع من تاريخ بغداد: ابن نفيل، وهو تصحيف. ووقع فيه - أيضاً -: يونس بن حباب، وهو تصحيف - أيضاً -، وقد جاء كل ذلك على الصواب في النسخة الخطية كما ذكر مؤلف زوائد تاريخ بغداد 6/ 375.
¥